تداولت الصحافة العراقية أخيراً مسودة لمبادرة شيعية، بعنوان «التسوية التاريخية»، سبقتها دعاية واسعة عن وجود «مفاجآت» ونوع من «اتفاق الطائف» العراقي (الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية)، تطرحه الكتلة التي يتزعمها عمار الحكيم، رئيس المجلس الأعلى الإسلامي بالعراق، لكن المسودة التي نشرت لم تكن تنطوي إلا على مفاجأة واحدة، وهي أن المبادرة الشيعية لم يكن بها أي مفاجأة تقريباً.ولعل ذلك يعود إلى عدم نجاح الجناح الشيعي المعتدل في إقناع اليمين المتشدد في الكتلة الشيعية ببلورة مفهوم واضح للتسوية، حيث يرفض نوري المالكي، رئيس الوزراء السابق والسياسي المقرب من طهران، مختلف أشكال الحوار الحقيقي مع الأكراد والسنة، ويلتف حوله قادة الفصائل المسلحة.
ويعاني التيار المعتدل، الموالي للنجف، انقسامات وتشرذماً واضحاً، خصوصاً بسبب البرود في العلاقات بين تيار مقتدى الصدر والمجلس الإسلامي الأعلى، إلى جانب انقسام كبير داخل التحالف الكردستاني، وغياب شبه كامل لدور القوى السنية، حيث تعيش البلاد تراجعاً سياسياً رغم وجود منجزات عسكرية مهمة في معركة الموصل، التي تحظى بدعم دولي هو الأكبر بتاريخ العراق الحديث.والملاحظة المركزية التي سجلها المراقبون على مضمون هذه الوثيقة، وهي كما يبدو ليست نهائية وعرضة للتغيير، أنها خصصت أكثر من ست فقرات كمطالب يجب على الطرف السني قبولها والالتزام بشأنها، لكنها خصصت تقريباً فقرة واحدة للمطالب السنية، وضعت فيها بعبارة مكثفة جداً وخجولة أشياء تتعلق بالعدالة وتحكيم القانون، في حين وضعت قيوداً مشددة لرفض أي حوار مع «البعث»، ومع من يعارضون النظام السياسي بنحو لم يصنع أي إشارة لوجود «تسوية وتنازلات»، رغم أن كلمة تنازلات جرى استخدامها مراراً في المسودة.لكن المبادرة بشكلها الأولي لم تتضمن أي عرض واضح للتنازلات التي يقدمها الطرف الحاكم الشيعي، رغم عرض تفصيلي للتنازلات والإقرارات التي يجب على السنّة التقيد بها، مع أن ذلك لم يجر التلفظ به بنحو مباشر، لكن كل عارف بنوع الجدل العراقي سيصل إلى هذه النتيجة بمجرد المرور على بنود المبادرة، حسب الأوساط السياسية التي كانت تترقب إعلاناً أولياً لها.
لكن أطرافاً شيعية تدعو إلى عدم التقليل من أهمية ما طُرح، وتشجع الطرفين السني والكردي على قبول «نوع من المرونة»، لجعل اليمين الشيعي المتشدد يمتنع عن مهاجمة المبادرة الآن. ويشير معتدلو الشيعة إلى فقرات يعدونها مهمة، مثل تأكيد دور الأمم المتحدة ومنح الجامعة العربية ودول الجوار السنية في الغالب دوراً في ترتيب الحوار العراقي، كضمانة دولية وإقليمية، وتكليف الأمم المتحدة وضع جدول زمني للمفاوضات، يمكن أن يتخلله رسم أكثر وضوحاً للتنازلات المتبادلة.وتقول المصادر الشيعية المقربة من النجف إن قيمة المسودة الحقيقية تكمن في النص على مبدأ «لا غالب ولا مغلوب»، والتذكير بأن التنازلات لن تكون أحادية الجانب، بل ينبغي أن تكون متبادلة من الجميع، مما يعني منح المفاوضين هامش حركة واسع لإضافة فقرات عديدة.لكن المهمة، حسب المصادر المطلعة، لن تكون سهلة، مادامت ستظل مرتهنة بالمفاوضات التي تعني حواراً عراقياً شاقاً وطويلاً ومعرضاً للإفشال بطرق كثيرة تتقن طهران استخدامها، وسط نقص في الخبرة التفاوضية لدى معظم الأطراف السنية، وحرص مؤيدي البعث على إفشال هذه المبادرات طوال العقد الماضي.