لهذا اخترعوا «داعش»!
عندما يتحدث بنيامين نتنياهو، موجها الكلام إلى الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا، عن "تغيير هائل" في العالم العربي، وأن دولاً عربية كثيرة أصبحت تعتبر إسرائيل حليفاً ضرورياً لها في مواجهة تنظيم داعش وإيران فإنه يؤكد حقيقة أن هذا التنظيم الإرهابي هو بالمحصلة صناعة إيرانية، بالاشتراك مع نظام بشار الأسد، وأيضاً صناعة إسرائيلية لدفع العرب لإعطاء الأولوية لمواجهة ما يسمى بالدولة الإسلامية، وتوفير الحجج التي يريدها الإيرانيون ليفعلوا ما يفعلونه الآن سواء في العراق أو في سورية، وأيضاً سواء في لبنان وفي اليمن.لم يستفد من بروز هذا التنظيم، في اللحظة التاريخية التي برز فيها، إلا إيران، التي بادرت إلى كل هذا البطش الهمجي ضد العرب السنة في العراق وسورية، تحت عنوان مقاومته والقضاء عليه، ونظام بشار الأسد الذي رفع حلفاؤه الروس راية أن الأولوية هي لإسقاط "داعش" وليس لإسقاطه، وأيضاً إسرائيل التي بقيت تسعى وتعمل لإيجاد تهديد في هذه المنطقة غير تهديدها، وإيجاد عدو غيرها له الأولوية في المواجهة.وبالطبع فإن المفترض أن الرئيس الإيطالي، الذي أبدى تفهماً أكثر من غيره للقضية الفلسطينية ولطبيعة الصراع الأكثر خطورة في هذه المنطقة، يعرف حقائق الأمور، ويدرك أن إيران ومعها نظام بشار الأسد تقف مع إسرائيل على أرضية واحدة، وليس فقط على أساس الحكمة التي تقول: "عدو عدوي صديقي"، بل أيضاً على أساس أن نظام الولي الفقيه يرى أنه لابد من إضفاء ردائه الطائفي على هذا الجزء من الشرق الأوسط وتمزيقه مذهبياً.
وهنا، وحتى لا يتأفف المصابون بـ"فيروس" ضرورة تحالف الأقليات الدينية والمذهبية والقومية لحماية نفسها ليس من "داعش" وإنما من العرب السنة، فإنه لابد من الإشارة إلى أن مدير محطة "الموساد" الإسرائيلي الأسبق في لبنان أليعيزر تسفرير كان قد أكد في أوراقه التي كشف عنها مؤخراً أن قائد الميليشيات الكتائبية اللبنانية السابق إيلي حبيقة، الذي هو المسؤول عن مذبحة مخيمي صبرا وشاتيلا المعروفة، والذي التحق بنظام حافظ الأسد في دمشق، قد نقل إليه رسالة من هذا النظام يعرض على إسرائيل فيها إنشاء مثل هذا التحالف أي تحالف الأقليات في هذه المنطقة وبقيادتها أي بقيادة "العدو الصهيوني" حسب الأدبيات التي لا يزال يستخدمها الإعلام السوري الرسمي حتى الآن، وبالطبع لمواجهة الأكثرية العربية السنية في الشرق الأوسط.يقول بنيامين نتنياهو أيضاً: لقد أخطأ أولئك الذين زعموا أن أصل الصراع في الشرق الأوسط هو القضية الفلسطينية... إن هذا ليس صحيحاً، ولم يكن صحيحاً أبداً، فلب الصراع الذي يدور في كل من تونس وليبيا واليمن والعراق وسورية هو الصراع بين "الحداثة" وعقلية العصور الوسطى، ونحن نقف ثابتين في معسكر الحداثة!!... ثم يصل رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى بيت القصيد ويقول: والأخبار السارة والممتازة التي تبعث على الأمل هي أن دولاً عربية كثيرة لم تعد تعتبر إسرائيل عدواً بل حليفاً في مكافحة الإرهاب الإسلامي الذي تقوده إيران ويقوده تنظيم داعش. إن هذه هي الحقيقة التي من المفترض أن المعنيين بتجديد أولويات الصراع في هذه المنطقة باتوا يدركون وباتوا يعرفون أن هذا التنظيم الإرهابي "داعش" تم احتضانه ودعمه والتنسيق معه وإعطاؤه حجماً أكثر كثيراً من حجمه، من أجل تدمير القوة العربية الأساسية في الشرق الأوسط التي هي العرب السنة.