قال مدير معهد المخطوطات العربية في القاهرة د. فيصل الحفيان إن «تحقيق النص التراثي... دورة تأسيسية» جاءت في سياق سلسلة من الدورات التدريبية المتخصصة، وتلبية لرغبة الجانب السعودي في النهوض بباحثيه في مجال «تحقيق التراث» وتعريفهم إلى الأسس اللازمة لهذا التخصص، وتنمية مهاراتهم في التعامل مع المخطوطات. وأشار الحفيان إلى أن هذه الدورةَ التأسيسية المكثَّفة تصبُّ في خدمة الجانبين «النظري والتطبيقي» من خلال استكشاف مفهوم «التحقيق» وتأصيله تاريخياً، وبيان العناصر الثقافية، والاشتراطات العلمية التي ينبغي أنْ تتوافر في المحقِّق، ورصد الخطوات بدءاً من اختيار النص، وانتهاء بتكشيفه ودرسِه، ثم عمل «ورشات تدريبية» للمتدربين تحت إشراف أساتذة متخصصين.
كذلك شهد المعهد سلسلة من الدورات التدريبية في مجال تحقيق المخطوط الأدبي والعلمي، وفق آلية الربط بين التخصص وإدراك المضامين، والانتقاء من هذا الإرث المعرفي لتحقيق الفكرة الرئيسة من تناول «المخطوطات» والتواصل معها على خلفية أهميتها كمنجز مؤثر في حاضرنا الثقافي، ولا يكتفي بالنظر إلى التراث على أنَّه نصوص مجرَّدة ينبغي إحياؤها وتحقيقها ونشرها، بل له وظائف يلزم تفعيلها في حياتنا الثقافية والحضارية. يذكر أن معهد المخطوطات العربية، تأسس في القاهرة عام 1946، وينهض بدور فاعل في الحياة الثقافية، وإلقاء الضوء على التراث المكتوب في مجالات معرفية مختلفة، والتعريف برواد الفلسفة وعلم الكلام، باعتبارهما علمين أصيلين مِن علومِ التُّراث التي برعَ فيهما القدماء.
ماذا بقي من القصيدة؟
في سياق آخر، عقد معهد المخطوطات العربية في القاهرة، المنتدى التراثي لهذا العام بعنوان «تراثنا الشعري ماذا بقي منه» وتحدث خلاله د. محمود الربيعي، نائب رئيس مجمع اللغة العربية في مصر، بحضور عدد من أساتذة الأدب واللغة والمعنيين بالشأن التراثي والشعري. أدار المنتدى مدير المعهد د. فيصل الحفيان، وأشار إلى أن معهد المخطوطات العربية على مدى تاريخه منذ عام 1946 حتى اليوم، كان مشغولاً بالمخطوطة والتراث العربي عموماً، ويظل الشعر جزءاً محدوداً من هذا التراث. قال الحفيان إن «الشعر عموماً والتراث الشعري خصوصاً يمثلان قضية مهمة لجهات كثيرة، لا سيما في ظل تعقيدات تربوية وعلمية وسياسية وتكنولوجية، ويخطئ من يظنّ أن القصيدة حروف وألفاظ وصور وأخيلة، بل قبل ذلك قيم وتقاليد، فالشعر مرآة الحضارة العربية، وما نعانيه الآن، انعكس على ديوان العرب الذي يمثل خلاصة هذه اللغة». من جهته، لفت د. محمود الربيعي إلى أنه في إطار البحث عن حالة تراثنا الشعري وواقعه اليوم، لا يجب أن نجلد الذات، بل علينا أن نصفها وننقدها، فالعربية إحدى أقدم اللغات وهي لغة حضارة وآية، ذلك أن لها تراثاً مكتوباً يرجع إلى أكثر من 1500 عام. ولفت الربيعي إلى أن الشعر العربي حرّ بطبيعته، ولو كانت الدراسات حوله جرت بموضوعية ومنهجية، وتضافرت جهود الباحثين لمعرفة طبيعة موسيقاه، ما كان ثمة «الشعر الحر»، موضحاً أن خروج البعض عليه كان لعجزهم عن الإبداع في إطاره. تدارك الربيعي أنه ليست لديه مشكلة مع قصيدة النثر، أو نشوء أشكال أدبية جديدة، ولكن خلافه يتمثل في ضرورة إيجاد مصطلحات جديدة لأشكال «الشعر الحر» و{التفعيلة» و{النثر» لمنع الالتباس والارتباك النقدي، وعدم ذوبان الشعر العربي في طوفان الأشكال الأدبية الأخرى. في مداخلته، أشار الناقد د. مدحت الجيار إلى أن محاضرة د. الربيعي وثقت صلة النقاد بالتراث العربي وواقع الحياة الفكرية الآن، موضحاً ضرورة أن تتأسس مفاهيم وقضايا أخرى، واستبدال مصطلحات بأخرى للخروج من الإشكاليات، وأبرزها الفصل القسري بين الشعر وبين فنون الأدب الأخرى. من جهة أخرى، أصدر معهد المخطوطات العربية في القاهرة العدد 150 من مجلته الفصلية، وضمت تغطية شاملة لفعالياته خلال الأشهر الماضية، من بينها «يوم المخطوط العربي في دورته الرابعة» وتكريم المفكر العراقي د. بشار عواد معروف «شخصية العام التراثية لعام 2016».