نسائم الديمقراطية

نشر في 08-11-2016
آخر تحديث 08-11-2016 | 00:05
 يوسف عبدالله العنيزي في أحد اجتماعات مجلس السفراء العرب المعتمدين في مملكة هولندا الصديقة انصب الحديث في ذلك اللقاء حول الحياة البرلمانية في الكويت، وكانت تلك الفترة تشهد استجواب السيد مصطفى الشمالي وزير المالية السابق، ذلك الاستجواب الذي تميز بالروعة والرقي في الطرح والشفافية في المناقشة، واستمر على مدى ساعات شدت القاصي والداني بالإعجاب بهذه الديمقراطية المتأصلة في نفوس وضمائر أهل الديرة، هذا الوطن الذي خصه الله بنعم لا تعد ولا تحصى.

تحدث أحد السفراء موجهاً كلامه لي: لقد تابعت جلسات استجواب وزير المالية في الكويت، أخي العزيز أقولها بدون نفاق: أنتم وبلدكم الكويت رئة الديمقراطية التي يتنفس من خلالها العالم العربي نسائم الحياة البرلمانية الصادقة، ونحن بلا استثناء إما نغار منكم أو نحسدكم، فاتفق الحضور على هذا الطرح مع إضافة عبارة "نعم... ولكن".

لكم شعرت بالفخر والاعتزاز بهذا الوطن الصغير بمساحته الكبير بعطائه ومكانته، والذي شغل الدنيا بأحداثه، أعادني هذا الحوار إلى حدث مشابه تم في مدينة "بوغوتا" عاصمة جمهورية كولومبيا الصديقة، وكنت يومها أشغل منصب سفير محال من جمهورية فنزويلا، وفي حفل غداء أقامه أحد السفراء العرب المعتمدين في ذلك البلد الصديق جرى نقاش، وكان محور الحديث توجيه النقد اللاذع لدولة الكويت، وما تعانيه من فساد إداري ومالي وانتشار الرشوة وضياع للاستثمارات الخارجية والكثير من السلبيات.

تشعب الحديث وطال، ثم التفت إليّ أحد السفراء العرب متسائلا عما إذا كنت قد زعلت أو تضايقت من هذا النقاش وهذا النقد اللاذع لبلدك الكويت، فرددت عليه بسرعة: لا بل أنا سعيد جداً بهذا النقاش الذي طرحت من خلاله أحداثاً وأرقاماً تنم عن متابعة واهتمام بما يدور في الكويت الغالية، وفي اعتقادي أن الإنسان لا يتكلم عن دولة أو مكان إلا إذا كان نابعا عن محبة وإعجاب أو حسد وغيرة، وأنا أربأ بكم عن هذا، ولكن لديّ سؤال بريء وبسيط وأتمنى أن أسمع له إجابة: ماذا لو طرحنا للمناقشة بعض الأمور والأوضاع السائدة في أحد بلادنا العربية- غير الكويت- بكل حرية وتجرد؟ وهنا رأيت الطيور بدأت تحوم فوق الرؤوس، والعيون تدور في محاجرها كالذي يغشى عليه من الموت، فقمت بتغيير دفة الحديث خوفا من حدوث ما لا يحمد عقباه، لك الله يا وطن لقد أشغلت الدنيا، حماك الرحمن من شر كل حاسد وحاقد.

من الشخصيات التي تأثرت بها في حياتي الدبلوماسية المغفور له بإذن الله جاسم محمد الخرافي لما كان يتميز به من رحابة صدر وطيب معشر وأخلاق عالية، حضرت برفقته في زيارته لليمن أثناء عملي هناك إحدى جلسات مجلس النواب اليمني التي شهدت جدالا ونقاشاً حاداً بين أعضاء بعض الأحزاب، التفت إليّ، رحمه الله، قائلا "أخ يوسف هذا النقاش الحاد يدور بين أعضاء حزبين أو ثلاثة أما عندنا في الكويت فإن النقاش والحوار الحاد يدور بين أعضاء خمسين حزبا، فكل عضو من أعضاء مجلس الأمة يمثل حزبا قائما بذاته".

وهنا نطرح تساؤلاً موجهاً للسادة أعضاء مجلس الأمة السابقين واللاحقين، ويعلم الله أنه صادر من قلب محب لهذا الوطن: ما الذي يمنع إقامة "حزب الكويت" يرفع شعارا واحدا يعمل الجميع ضمنه ومن خلاله، الكويت أولا، والكويت ولا شيء غيرها، بعيدا عن المصالح بكل أنواعها، وأنا على يقين أن القيادة السياسية العليا ستدعم أي خطوة أو خطة لإصلاح البلاد وتنميتها وتراعي مصالح الكويت وأهلها.

حفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

back to top