الشعبوية للأغنياء
الشعبوية الحديثة توصف بأنها حرب طبقية جديدة بين المستفيدين من عالم تحكمه العولمة وأولئك الذين شعروا بالخذلان، والواقع أن أنصار ترامب في الولايات المتحدة وأنصار الخروج البريطاني في المملكة المتحدة هم في الإجمال أقل تعليما وثقافة من «المؤسسة» التي يعارضونها.
![بروجيكت سنديكيت](https://www.aljarida.com/uploads/authors/176_1682431716.jpg)
هذه هي الصروح التي تُقام عندما يحلم دخيل يفتقر إلى الأمان اجتماعيا بأنه مَلِك الشمس (لويس الرابع عشر). ولعل من غير المنصِف أن أذكر ترامب في الفئة نفسها مع هتلر وتشاوشيسكو، فترامب ليس طاغية قاتلا، وخلفيته الاجتماعية أكثر تعقيدا.كان هتلر نجل موظف جمارك بسيط، وكان تشاوشيسكو من ذرية أسرة فقيرة من الفلاحين، وكل منهما شعر بضآلته وريفيته في عاصمة بلاده، وكانت الطريقة التي انتهجاها في الهيمنة على النُخَب الحَضَرية الأكثر ثقافة وذوقا تتلخص في قمعهم بعنف وإعادة بناء المدن وفقا لأحلامهما المتكلفة المبهرجة.ترامب أيضا يريد أن يكون كل شيء يحمل اسمه أكبر وأكثر تألقا من أي شيء آخر، ولكنه وُلِد في نيويورك وورث قدرا كبيرا من المال من والده فريد ترامب، الذي كان مطورا عقاريا سمعته مشبوهة بعض الشيء، ولكن هو أيضا يبدو برغم ذلك ناقما على النخب التي قد تنظر إليه بتعال، وكأنه جلف مُحدث نِعمة، مع بناياته السخيفة من ناطحات سحاب وقصور مبهرجة مليئة بالكراسي المذهبة والثريات الضخمة.توصَف الشعبوية الحديثة غالبا بأنها حرب طبقية جديدة بين المستفيدين من عالم تحكمه العولمة وأولئك الذين شعروا بالخذلان، والواقع أن أنصار ترامب في الولايات المتحدة وأنصار الخروج البريطاني في المملكة المتحدة هم في الإجمال أقل تعليما وثقافة من "المؤسسة" التي يعارضونها، ولكنهم ما كانوا ليتمكنوا من التوصل إلى ما وصلوا إليه من تلقاء أنفسهم، فكان حزب الشاي في الولايات المتحدة سيظل هامشيا نسبيا لولا داعميه الأقوياء من زعماء الدهماء، وهؤلاء في أغلب الأمر من مُحدثي الثراء من الرجال الذين يشاركون أتباعهم شعورهم بالمرارة. كانت هذه هي الحال بوضوح في إيطاليا، حيث تمكن رئيس الوزراء السابق سيلفيو برسلكوني، الذي كانت خلفيته مطابقة لخلفية ترامب تقريبا، من استغلال مشاعر السخط والاستياء وأحلام الملايين من الناس، وتُظهِر الحركات الشعبوية في دول أخرى نمطا مماثلا، ففي تايلند خاض الانتخابات رجل الأعمال القوي الصيني التايلندي ثاكسين شيناواترا، الذي كان والده من محدثي النعمة كحال برلسكوني وترامب، ضد النخب الاجتماعية والسياسية في بانكوك، وفاز بمنصب رئيس الوزراء بدعم من أصوات الناخبين في الأقاليم والمناطق الريفية، قبل أن يُطاح به في انقلاب عسكري. وفي هولندا دعمت طبقة من محدثي الثراء من أباطرة العقارات الشعبوي اليميني بيم فورتين وخلفه الأكثر غلظة خيرت فيلدرز.الواقع أن مُحدثي الثراء لا يقلون أهمية في تعزيز صعود الشعبوية عن الناس الأكثر فقرا والأقل تعليما الذين يشعرون بالإهمال من النخب، وبرغم التفاوت الهائل في الثروة يشترك المنتمون إلى الفئتين في غضب عميق إزاء أولئك الذين يشتبهون في أنهم يتعالون عليهم، وهم ليسوا مخطئين تماما، فمهما كان عدد القصور أو اليخوت التي يمكن الحصول عليها بأموال مكتسبة حديثا، سيستمر المال القديم في احتقار المال المكتسب حديثا، وعلى نحو مماثل يميل أبناء الطبقة الحضرية المتعلمة إلى اعتبار الناخبين الذين أيدوا الخروج البريطاني أو يدعمون ترامب أغبياء يفتقرون إلى التنشئة السليمة.وهذا الاندماج بين أشكال الاستياء والسخط، التي يستشعرها مُحدثو الثراء كما يستشعرها أولئك المخذولون، هو الذي يدفع الشعبوية اليمينية، وفي الظروف المتطرفة، إلى الدكتاتورية، حيث يصبح الطاغية حرا في الانغماس في أوهام غريبة على حساب الملايين تحت سيطرته.حتى الآن لا يستطيع زعماء الدهماء في أوروبا والولايات المتحدة أن يقدموا للناس سوى الأحلام: استعادة البلد، وجعله عظيما مرة أخرى، وما إلى ذلك. ولمنع هذه الأحلام من التحول إلى كوابيس سياسية يستلزم الأمر ما هو أكثر من الخبرة التكنوقراطية، أو الدعوة إلى التمدين والاعتدال، فمن غير الممكن بسهولة إقناع الغاضبين بأسباب عقلانية واضحة، بل يتعين علينا أن نقدم لهم رؤية بديلة.المشكلة اليوم، في مختلف أنحاء العالم، أن مثل هذا البديل ليس في المتناول بسهولة، فقد اندلعت الثورة الفرنسية قبل أكثر من قرنين من الزمن، واليوم أصبحت "الحرية والمساواة والإخاء" مجرد شعارات تاريخية، ولكن لعل الآن هو الوقت المناسب لتحديثها.* إيان بوروما | Ian Buruma ، أستاذ الديمقراطية وحقوق الإنسان والصحافة في كلية بارد، ومؤلف كتاب "العام صِفر: تاريخ من 1945".«بروجيكت سنديكيت، 2016» بالاتفاق مع «الجريدة»
مُحدثو الثراء لا يقلون أهمية في تعزيز صعود الشعبوية عن الناس الأكثر فقراً والأقل تعليماً
قصر تشاوسيسكو يحوي 220 ألف قدم مربعة من السجاد ومليون متر من الرخام 3500 طن من الكريستال
زعماء الدهماء في أوروبا والولايات المتحدة لا يستطيعون حتى الآن أن يقدموا للناس سوى الأحلام
قصر تشاوسيسكو يحوي 220 ألف قدم مربعة من السجاد ومليون متر من الرخام 3500 طن من الكريستال
زعماء الدهماء في أوروبا والولايات المتحدة لا يستطيعون حتى الآن أن يقدموا للناس سوى الأحلام