يعتقد ربع الأميركيين الذين وُلدوا منذ عام 1980 أن الديمقراطية شكل سيئ من الحكم، علماً أن هذا العدد أكبر بكثير ممن ظنوا ذلك قبل 20 سنة، فباتت عملية الاقتراع في الثامن من نوفمبر وشيكة جداً، ورغم ذلك لا يتردد أميركيون كثر في خوض المعركة الانتخابية مرة أخرى مع مرشحَين جديدَين، لكن هذا الاحتمال مستحيل بالتأكيد: سيكون الرئيس الأميركي المقبل إما دونالد ترامب أو هيلاري كلينتون.

لا يُعتبر الخيار صعباً فالحملة قدّمت أدلة يومية على أن ترامب سيشكّل رئيساً بالغ السوء، فقد استغل التوتر العرقي الأميركي المعتمِل تحت الرماد. إذاً سنصوّت لهيلاري كلينتون، لكن سبب رفضها من البعض أنها من آل كلينتون، لا يتنبهون لمدى سوء البديل، صحيح أن هذا بحد ذاته لا يعني أن علينا تأييد كلينتون تلقائياً، ولكن لنتعمّق أكثر في هذه المسألة، فهي تشكّل المرشح الأكثر أهلية للتعامل مع سياسات واشنطن المفككة والمريعة، بخلاف ما يقر به منتقدوها.

Ad

كلينتون شخصية ثورية، وستشكّل أول رئيسة للولايات المتحدة بعد مرور 240 سنة على الاستقلال، فهي تقر أنها من أتباع الحركة التدرجية بكل ما للكلمة من معنى، وتؤمن بقوة التغييرات الصغيرة التي تتراكم بمرور الوقت لتحدث تبدلات أكبر، وفي هذه المرحلة من السباق الرئاسي نتوقع من المرشحين الرئاسيين أن يلهما، لكن كلينتون كانت ستحقق نجاحاً أكبر، على ما يبدو، خلال الحملات الانتخابية في النصف الأول من القرن، عندما لم يكن المرشحون مضطرين إلى الإدلاء بخطابات عامة.

في السياسة الخارجية التي تكون فيها سلطة الرئيس أكبر ستنظر كلينتون من مكتبها الرئاسي في البيت الأبيض إلى عالم ورث بعض مخاطر الحرب الباردة من دون الاستقرار الذي ساد تلك الفترة، عالم يتطلب نهوض الصين وتراجع روسيا مع مرونة وقسوة في آن واحد، وكذلك تبدو المؤسسات الدولية، مثل الأمم المتحدة، ضعيفة، في حين بات الإرهاب عالمياً.

إذاً، تشكّل الخبرة ودقة الحكم ركيزتين أساسيتين، ولا شك أن كلينتون تتحلى بهما، رغم محاولات الجمهوريين تشويه صورتها بسبب الهجوم على بنغازي عام 2012.

وإذا فازت كلينتون فستضطلع بعبء التصدي للمخرّبين المحتملين، ويبدو أنها المرشح الخطأ لهذا المنصب، فهي زوجة رئيس سابق عاشت في البيت الأبيض قبل نحو 24 سنة، لذلك لا تشكّل على الأرجح صورة التغيير والتجديد، وفي مسيرتها الطويلة احتلت أحياناً منطقة وسطاً محيرة بين المهم والتافه، بين الشرعي واللاشرعي، ولكن من ناحية أخرى تُعتبر مؤهلة للنجاح في هذه المهمة. وفخلال الانتخابات نأمل لو أن الكونغرس والرئاسة خاضعان لسيطرة حزبين مختلفين، ولا شك أن هذا سيكون خيار مَن لا يستطيعون حمل أنفسهم على التصويت لترامب، إلا أنهم لا يأبهون بكلينتون أيضاً، ولكن خسارة الكونغرس ستعزز احتمال إصلاح الحزب الجمهوري، علماً أن الحزب والولايات المتحدة يبدوان بأمس الحاجة إلى إصلاح مماثل.

نتيجة لذلك نعطي صوتنا لكلينتون وحزبها، ويعود ذلك من ناحية إلى أنها ليست ترامب، ومن ناحية أخرى إلى أننا نأمل أن تبرهن أن السياسات العادية تلائم المواطنين العاديين، وهذا هو نوع التجديد الذي تحتاج إليه الديمقراطية الأميركية.