طالبت النيابة العامة أمس محكمة الجنايات بتوقيع عقوبة الإعدام على الأبوين المتهمين بقتل طفلتهما، التي عثر عليها في ثلاجة المنزل بعد تعذيبها، عقب إدانتهما بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، وضرب أبنائهما الآخرين.

وقررت المحكمة إرجاء نظر القضية إلى جلسة الاثنين المقبل، للاستماع الى مرافعة دفاع الزوجين، المتهمين بقتل طفلتهما 4 سنوات، وضرب طفلين آخرين، بعد الاطلاع على مرافعة النيابة، التي فرضت علامات الأسى والحزن على جمهور الحاضرين بالقاعة، بعد سماعها، بسبب بشاعة احداث القضية.

Ad

وقالت النيابة، في مرافعتها التي قدمها رئيس النيابة حمود الشامي امام محكمة الجنايات، برئاسة المستشار محمد جعفر، إن ما اقدم عليه الزوجان بحق أبنائهما من قتل وضرب جريمة تهز الانسانية.

عدوان على الحق

ولفتت النيابة الى ان "الجريمة تمثل عدوانا على الحق في الحياة، والأدلة في هذه الدعوى بريئة من كل عيب يزلزل قيمتها من الاطمئنان، أو يهدد تماسكها، وأول ما تستهل به النيابة حديث الأدلة في محراب العدالة الجليل؛ هو اعتراف المتهمين بممارستهما العنف تجاه المجني عليها المتوفاة وأشقائها، وإخفائهما جثتها بعد وفاتها".

واضافت: "ذلك الاعتراف الذي جاء صحيحا، مطابقا لواقع الحال، كما أثبتته التقارير الطبية الشرعية، ومنسجما مع ما توصلت إليه تحريات الشرطة، وما شهد به مجروها، وكذا ما شهدت به شاهدة الإثبات الثانية الجارة التي كانت تسكن الى جانب المتهمين، وتم ذلك الاعتراف منهما دون إكراه".

وزادت: "لم تقف القضية عند حد اعتراف المتهمين، بل تعدت ذلك إلى أدلة فنية وأخرى قولية، ضمتها النيابة العامة إلى بعضها، تأديا إلى النتيجة النهائية التي نسبتها إلى المتهمين، ومنها ما شهد به مجرو التحريات بالتحقيقات، من عكوف المتهمين على تعذيب ابنتهما المغدورة، بالجلد بأسلاك الكهرباء، والسلق بالماء الساخن، على نواح متفرقة من جسدها، وبإمساك الزاد عنها، حتى إذا ما نالها من الطوى ما نالها، كان براز شقيقتها الرضيعة لها طعاما، أو ما تجود به قمامتهم من فضلات، قاصدين من ذلك جميعا قتلها، وما إن نالا مقصدهما أودعاها تلك الثلاجة التي ابتاعها المتهم، كي يواري خطيئتهما".

تقرير خاص

وتابعت النيابة: "ونعرج إلى ما انتهى إليه التقرير الطبي الخاص بالمغدورة إسراء؛ والذي أثبت هزالة بنيتها، وإصابتها بحروق حيوية من الدرجات الثلاث في مجمل جسدها الطاهر، طالت أغلب سطحه بما في ذلك المقعدة والأعضاء التناسلية، نشأت عن ملامسة جسمها لسائل ساخن، وكذلك إصابات تغشت وجهها، استقرت بجبهتها والأطراف العلوية، كما أصيبت بركبتها اليمنى، عازيا وفاتها إلى تأثرها بتلك الحروق مع ما صاحب ذلك من صدمة".

وأشارت الى ان "التقرير أثبت اتصال أعمال العنف الفجة والحرمان البئيس، بجسد المجني عليها وروحها، فكادت عظامها تطل من وراء تلك الجلود البالية. فكيف بها وقد نالت من العذاب ما زاد على بؤسها بؤسا، فما أصبرك على العذاب يا إسراء"؟

وزادت: "أثبت التقرير الخاص بالمجني عليه الطفل (الأول) إصابته بكدمات على فخذه الأيسر، نتجت عن تصادم جسم صلب على غرار عضة أسنان آدمية، مضى عليها بضعة أيام، وكذا ما أثبته التقرير الصادر عن وزارة الصحة من إصابة المجني عليه المذكور بذات الإصابة الموصوفة أعلاه (في فخذه الأيسر)، فضلا عن آثار حرق قديم في الفخذ ذاته، وجرح آخر صغير أسفل الرأس".

وتساءلت النيابة: "هل لعاقل أن ينسب هذا الشذوذ المتوحش إلا لما نشاهده في أفلام ألفريد هيتشكوك المرعبة؟ ولو كان الأمر كذلك لما حار العقل، واشمأزت النفس، إذ القوالب في تلك المشاهد مسبوكة، لما يخالطها من أبعاد خيالية، وغموض متكلف، بيد أننا فيما ندعي به اليوم أمام عدالتكم، نرى المتهم وقد استحال مسخا، يلوي على اتهام فلذات أكباده، في وحشية استنكفت عنها حتى ذئاب الجبل في قطيعها".

وقد أثبتت النيابة العامة في معاينتها لمكان الواقعة، تكوم المجني عليها في الثلاجة البيضاء المسطحة بداخل المطبخ الواقع بشقة المتهم في منطقة السالمية، موضوعة بداخل كيس بلاستيكي أسود اللون مما يستخدم في جمع القمامة، طوي على جثتها ملفوفة بقماش أبيض اللون، ومن خلفه ظهر جثمانها، ملجومة الفاه وموقورة الأذنين بأقطان، فيما اجتمعت من حول جسمها آثار العنف والحروق.

وتابعت: "وبينت النيابة ما شهدت به جارة المتهمين بالتحقيقات من سوء معاملتهما لأولادهما، لاسيما الطفلة إسراء، وذلك فيما أبصرته الجارة عليها من هزال، ومناداتهما لها بألفاظ لا تناسب سنها البتة، ومن لجوء الفتاة لها ذات مرة فرارا من الجوع وعلى سوء معاملتها، فباحت لها الفتاة بنصيبها من الضرب والحرق والخنق على يد الأبوين، وسألتها - أي إسراء - الفكاك من هذين الوحشين، ومضت أن المتهمين دأبا على إخفاء الفتاة عنها حين زيارتها لهما، فضلا عما تكشف لها من فظاعة المسكن منظرا وجوا".

إرهاب بدني

وقالت: "لم تزل الطفولة على ثنايا صفحات التراث الإنساني الضخم في مباهجه ومآسيه؛ شاهدا وشهيدا على أعمال العنف الأسري، التي ترسبت على مدى سنين طويلة في أذهان لفيف من الآباء على مستوى الغبراء، وأصبحت العصا لديهم وسيلة إفهام، وسوط إيلام، وأداة سطوة، وصولجان حظوة، وعلامة قهر، وأصفاد قسر.

هذا الإرهاب البدني والتسلط النفسي اللذان باتا يمارسان بشكل فاضح في مجتمعاتنا، راح ضحيته ثلة من أزهار المستقبل بين صريع ومريض.

وقالت النيابة مخاطبة المحكمة إن الجزاء لازم في سبيل الحفاظ على كيان المجتمع من أن ينال منه الإجرام، وهو بعد ضرورة اجتماعية وضمانة لا يستهان بها، فلا ينعزل حبيس النصوص، أو يتمخض عن تهور أو تسلط، وهو ليس غاية في حد ذاته، وإنما موصول بهدف اجتماعي، وهذا الهدف محله المستقبل، إذ يعمد الجزاء إلى مواجهة حالة إجرامية قائمة في الحاضر برادع من عقاب أو تدبير جزائي، ليرسم صورة أكمل لمستقبل آمن من الجريمة، تتحقق فيه العدالة الناجزة، فالعقوبة لا تجد علتها في الجريمة المرتكبة بقدر ما تجد هذه العلة في منع وقوع جريمة أخرى في المستقبل.

ومن هنا كان للقانون الجزائي تأثير مطرد في نفوس أفراد المجتمع، لأنه يومئ لهم في الحاضر إلى ما سيكون في المستقبل، و"ألم يأن للذين استؤمنوا على هذه الوديعة أن تلين قلوبهم لضعف أصحابها ووداعة أحداقهم"؟

ألم يأن الأوان أن يقرع المنحرفون من الآباء بالجزاء الأوفى، ردعا لهم وزجرا لغيرهم؟، ولطالما كان الجزاء لازما لتحرير هذه العقول، ومن يكنز فيها من أفكار الغي والعناد، من معتقدات التشبث بمنطق العنف.

وختمت النيابة مرافعتها بالقول: احملوا اليراع واجروا به على طرس العدالة المبين، قولا فصلا، وكقميص يوسف، اهتكوا بقضائكم ظلمات حزن كظيم. فها هي عدالة السماء ترقبكم، لتنظر كيف تعملون، فهلا اقتبستم منها نور الضمير؟ وإن ما أثبتته عيون الأوراق، فيما جرى على المغدورة من معاملة ليست إلا القسوة في أبشع صورها، وهي بعد إجرام في إجرام، فيه من الشذوذ ما فيه، ومن المخازي ما يثير من النفس انكدارها انفطارا، وانكسارها انزعاجا، بما يذرها واجمة موتورة، ترتعد منها الفرائص كلما مر على الذكرى ذكرها.