ضمت الأنطولوجيا التي استغرق إعدادها تسع سنوات قصائد لـ 53 شاعراً وشاعرة جميعهم من ثلاثة أجيال هي السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، ولم تكتف الأنطولوجيا برصد نصوص وقصائد الشعراء والشاعرات المختارين فيها فقط، بل حرصت كذلك على أن يكون لكل اسم مشارك ملف كامل عنه، يضم عدداً من قصائده الأبرز، ويليه قراءة في أحد أعماله، أو حوار معه، أو شهادة له، ويختتم بصفحة تعريفية بكل شاعر، تضم نبذة عنه وعن إصداراته الشعرية أو إسهاماته في مجال الترجمة إن كان من المشتغلين بها، وهو ما يعني أن الأنطولوجيا - إلى جوار القصائد والنصوص – تضم كثيراً من المقالات والقراءات النقدية والحوارات والشهادات التي كتبت عن - أو كتبها الشعراء - المختارين في الأنطولوجيا، سعياً إلى إلقاء الضوء على تجاربهم الإبداعية، واستكشافاً لرحلة تطورهم الشعري. يقول عماد فؤاد في مقدمته: «وجدت أن الأنطولوجيا تتجدّد يوماً بعد يوم بين يديّ، وتظهر بشكل مغاير - شكلاً ومحتوى - عن إصدارها الأول في الجزائر منتصف 2007، وهو ما استدعى منِّي أن أتعامل معها باعتبارها أنطولوجيا جديدة تكمل النّواة التي سبقتها، وهاهي تخرج إلى النور في القاهرة، وهذه المرّة تحت عنوان «ذئبٌ.. ونفرش طريقه بالفخاخ»، فهكذا كان تعاملنا مع الشِّعر، الشِّعر في مطلقه، بعيداً عن المسمّيات والمصطلحات الغربية التي فُرضت على هذا النّص منذ ظهوره الأوّل، كرهنا المسمّيات والمصطلحات التي خنقت الشِّعر وجعلت منه وصفة لكتابة القصيدة، كأنّها مقادير لصنع طبق جديد على موائدنا، وحين تتحوّل القصيدة إلى وصفة ما، فلا بد أن يكون هناك فخٌّ ما، فخُّ يستهدف الشِّعر في رحابته وتنوِّعه وأشكاله وألوانه المتعددة، لم نجن شيئاً من مصطلح «قصيدة النثر» سوى الحروب والتلاسن والاختلاف، انشغلنا بصراعات المسمّيات والمصطلحات المصكوكة في الغرب، ونسينا أنَّ الشِّعر صار جثّة تلفظ أنفاسها بين أيادينا، وبنظرة إلى ما يحدث حولنا في الثقافات المختلفة، سنجد أن مصطلح «قصيدة النثر» صار من المصطلحات التي تخطّاها الكثيرون ليبدعوا أشكالاً أكثر تطوراً واشتباكاً مع الواقع، خالقين مما يكتبونه نصاً يعلن انحيازه الفردي إلى الشِّعر وحده، الشِّعر في معناه الشمولي والأكبر، الشِّعر.. ليس غيره.. ليس سواه».
ويرى الشاعر رفعت سلام في دراسته التي افتتحت الأنطولوجيا أن المتن الشعري لهذه الأنطولوجيا يبدو متوافقًا مع الغاية التي تستهدفها أية أنطولوجيا موضوعية وجادة: التمثيل الحصري لكل الاتجاهات والتيارات الإبداعية، من خلال الشعراء المختارين. وهي الغاية الأجدر بالاعتبار في هذه اللحظة من تاريخ قصيدة النثر المصرية، التي تواجه «إقصاءً» عامًّا من قِبَل المحافظين والمتقاعدين، المحتلين للمناصب الثقافية المختلفة، ففي مواجهة هذا الإقصاء «الحكومي»، المؤسسي، لم يكن من الممكن أن يزدوج الإقصاء على يد بعض من أصحاب القصيدة «الملعونة»، فيُقصَى البعض مرتين، مرةً على يد رجال المؤسسة الحكومية، وأخرى على يد زملائه من كتاب نفس القصيدة المطاردة.فالغاية - التي تشي بها الصفحات تستهدف رصد وتقديم كل الأصوات الممثلة لقصيدة النثر المصرية الراهنة، غايةٌ مضادةٌ للمناخ العام، السياسي والثقافي والشعري، ومضادة للذاتية الشهيرة التي يتمتع عادةً بها الشعراء، غاية تعيد الاعتبار للشعر والقيمة والموضوعية في مواجهة التفاهة والعبث والنميمة، ومن عجب أن الغاية قد تحققت - بأكثر من المتوقع والمنتظَر - بلا صخب أو ضجيج أو تقافزات دعائية، في صمت، وتواضع، ودأب، وتدقيق.فهي بذلك ليست أنطولوجيا عادية، بل أنطولوجيا «شمولية»، كحالة نادرة، تستحق أن تكون مرجعًا أول لقصيدة النثر المصرية، سواء بحكم هذه «الشمولية» الرصينة والمتواضعة، أو بحكم أسبقية صدور الطبعة الأولى منها، أو بهما معًا.وعن غياب بعض الأسماء عن الأنطولوجيا قال: قد تغيب أسماء كانت جديرةً بالحضور (ليست كثيرةً، على أية حال)، وقد يرى البعض أن ثمةً أسماءً حاضرة أقل أهميةً من الأسماء الغائبة (ليست كثيرةً أيضًا، على أية حال)، لكن ذلك الغياب وهذا الحضور لا يقللان من شمولية الأنطولوجيا، فهو ذلك البُعد «الذاتي» الحتمي الذي لا تخلو منه أية أنطولوجيا «موضوعية»، وخصوصاً أنه متقلصٌ - هنا - إلى الحدود الدنيا الضرورية، والطبيعية، فضلاً عن أنه لا ينتمي إلى «المزاجية» و«الشخصانية»، بقدر ما ينتمي إلى ما هو ذاتي في الرؤية.
توابل - ثقافات
«ذئب... ونفرش طريقه بالفخاخ»... أنطولوجيا قصيدة النثر المصرية
10-11-2016