«يا زين فضايحهم!»
الصورة المشرقة لرئيسة كوريا في الاعتراف بالخطأ والاستعداد لدفع ثمن الاستغلال السلبي للنفوذ والسلطة هي في بلد دينه البوذية، ولا يلاحق مشايخه خلق الله ليل نهار لتهديدهم وترغيبهم بين الجنة والنار، ولم تستعن أجهزته الأمنية بالقنابل الدخانية والهراوات والمياه الساخنة لتفريق المتظاهرين، ولم تهدد حكومته بسحب جنسية المحتجين على فسادها.
الدول الراقية والمتحضرة والديمقراطية فضائحها السياسية والمالية أيضاً راقية ومؤدبة وخجولة، وسرعان ما تحاصر وتغلق ملفاتها بشكل حضاري أيضاً، وآخر هذه الفضائح المحترمة ما نسب إلى رئيسة الجمهورية في كوريا الجنوبية السيدة بارك غيون هاي.فخامة الرئيسة بكل بساطة عينت ابن صديقة عمرها في منصب مدير إدارة في الحكومة، وهذه الصديقة العجوز استغلت علاقتها بالرئيسة وحصلت على مبلغ ثلاثة ملايين دولار، أي ما يعادل مليون دينار من إحدى الشركات العملاقة لتمويل أنشطة رياضية لابنتها عندما كانت في منتخب الفروسية.
ردة الفعل على هذه الجرائم "المزلزلة" جاءت عاصفة، حيث احتشدت الجماهير كموج بشري أمام قصر الرئيسة حاملة لوحات صغيرة تعبّر عن استيائها، وبقيت هذه الجموع حتى الليل لتشعل شموعاً لعلها تنير الطريق بعد انقشاع ليل الفساد، أما الرئيسة "هاي" فخرجت أمام شعبها باكية معتذرة نادمة، وأعلنت استعدادها للمثول أمام القضاء لمحاسبتها، كما تخلت سياسياً عن مرشحها لرئاسة الحكومة، وأوكلت هذه المهمة لحزب مستقل ضماناً لأي إجراءات تقوم بها الحكومة الجديدة، وإن شملت تجريدها من منصبها أو إحالتها إلى المحكمة.هذه الصورة المشرقة في الاعتراف بالخطأ والاستعداد لدفع ثمن الاستغلال السلبي للنفوذ والسلطة هي في بلد دينه البوذية، ولا يلاحق مشايخه خلق الله ليل نهار لتهديدهم وترغيبهم بين الجنة والنار، ولم تستعن أجهزته الأمنية بالقنابل الدخانية والهراوات والمياه الساخنة لتفريق المتظاهرين، ولم تهدد حكومته بسحب جنسية المحتجين على فسادها، رغم أنها وفرت لهم أفضل مستويات المعيشة وأرقى درجات التنمية، ولم تلزمهم بشعار "الله لا يغير علينا"، فكوريا الجنوبية تحتل المركز الثالث عشر عالمياً في الناتج القومي الإجمالي الذي تضاعف 30 ألف مرة خلال نصف قرن من الزمن، وحتى هذا النوع من الفساد المالي مقارنة باقتصاد الدولة العملاق لا يساوي قيمة سندويشة في البلاد المختلفة، رغم قبح العمل ومخالفته للقانون.خلف الله على حالنا! من المستحيل أن نقارن ما حدث في كوريا مع الكثير من الدول الإسلامية، حيث أرصدة أبناء المسؤولين تجاوزت مئات المليارات من الدولارات في حين تعيش غالبية شعوبها تحت خط الفقر، ولكن لنقارن حالتنا الكويتية بحسبة سريعة وموجزة ليس على مدى نصف قرن بل خلال نصف عقد من الزمان فقط، ففي آخر التقارير الصادرة عن ديوان المحاسبة بلغت قيمة الديون غير المحصلة للدولة قرابة 4 مليارات دولار، أضف إليها غرامة 2.5 مليار دولار للداو كيميكال، ومليار دولار من الأموال الضائعة في التأمينات، بالإضافة إلى 1.5 مليار دولار كلفة الجامعة الوهمية في الشدادية، علاوة على 6 مليارات دولار قيمة المطار الجديد، في حين بلغت أرصدة النواب القبيضة نصف مليار دولار، ومجموع التحويلات الخارجية المشبوهة تجاوزت المليار دولار، وعندما احتج الشباب كانت النتيجة الزج بهم في السجون وسحب جنسياتهم وتعديل النظام الانتخابي إلى الصوت الواحد، ويطلب منا أن نحمد الله ونكرر دعاء "الله لا يغيّر علينا"، تماماً مثلما يحصل في كوريا التي يبلغ عدد سكان عاصمتها سيؤول عشرة أضعاف الشعب الكويتي!