بمصادقة دول مجلس التعاون الخليجي، قبل نحو أسبوعين، على مشروع اتفاق حول الضريبة على القيمة المضافة؛ تكون دول الخليج قد انضمت -نظرياً- لقائمة الدول التي تستقطب موازناتها العامة سنوياً إيرادات ضريبية، في بداية عام 2018، من المحتمل أن تبلغ سنويا 24 مليار دولار، نصيب الكويت منها 1.6 مليار دولار، وسط إعلان الإمارات وقطر استعدادهما لتنفيذ الاتفاق مباشرة، وتطلع السعودية وعمان والبحرين لإتمام تنفيذ شروطه في العام نفسه، في حين تحتاج الكويت إلى استصدار قانون من مجلس الأمة لإتمام التنفيذ.

ويمكن تعريف ضريبة القيمة المضافة بأنها ضريبة غير مباشرة تفرضها الدولة على استهلاك معظم السلع والخدمات، ويتحملها المستهلك النهائي، في حين تؤدي الشركات بمختلف أنواعها دور الوسيط بين الدولة والمستهلك في تحصيل هذه الضريبة... وبمعنى أبسط فإنه إذا كان سعر سلعة ما 1000 دينار، وكانت ضريبة القيمة المضافة 5 في المئة، فإن السعر النهائي الذي سيدفعه المستهلك يبلغ 1050 ديناراً، على أن يقوم التاجر بتحويل الـ50 ديناراً الزائدة إلى خزينة الدولة.

Ad

الاتفاق النظري

ورغم الاتفاق النظري بين دول مجلس التعاون لتنفيذ الاتفاقية خلال عام تقريباً، فإن إقرار ضريبة القيمة المضافة (التي ستتراوح حسب التوقعات بين 3 و5 في المئة) وتنفيذها على أرض الواقع أعقد بكثير من بساطة المثال في الفقرة السابقة، فالمسألة أعمق كثيراً من مجرد جباية الاموال، خصوصا عندما يتعلق الأمر باعتبارات إدارة الضريبة محاسبيا واقتصاديا، فضلاً عن التضخم المتوقع في أسعار السلع وعدالة تطبيق الضريبة على المستهلكين وغيرها.

ومع أن الاتفاق الخليجي المبدئي استثنى العديد من السلع والخدمات؛ كالرعاية الصحية والتعليم والخدمات الاجتماعية، ونحو 94 سلعة غذائية، من ضريبة القيمة المضافة عند تطبيقها، فإنه أغفل التعامل مع المستهلكين على أسس الشرائح الخاصة بالاستهلاك، فهدف أي ضريبة للقيمة المضافة ليس توفير الإيرادات للدولة بقصد الجباية، بل خلق نظم استهلاكية رشيدة في المجتمع.

ولتبسيط الأمر يمكن ضرب مثال بأسعار السيارات، إذ إن فرض ضريبة تصل إلى 5 في المئة على سيارة قيمتها 5 آلاف دينار أو 50 ألف دينار، هو إجراء غير عادل، لا للمستهلكين ولا لإيرادات الدولة.

ضرائب تصاعدية

ويمكن خلق ثقافة ترشيد، فضلاً عن رفع قيمة التحصيل للدولة عبر فرض ضريبة ما بين 3 إلى 5 في المئة للسيارات دون 10 آلاف دينار، وتتصاعد النسبة بمستويات أعلى كلما ارتفعت قيمة السيارة، فعندما يصل سعر السيارة الواحدة إلى 50 ألف دينار يمكن أن تكون الضريبة 50 في المئة، كون شراء السلعة هنا تجاوز قصد الحاجة الى الرفاهية، مما يعطي الحق للدولة في رفع مستوى تحصيلها الضريبي، فضلا عن اعادة تقويم سلوك المستهلكين في السوق... وينطبق هذا التصاعد في نسب الضريبة على السلع الكمالية والساعات والمجوهرات، بحيث ترتفع النسبة كلما ارتفع اصل القيمة.

الخبرة الضريبية

أحد أهم التحديات التي تواجه دول الخليج عند تطبيق ضريبة القيمة المضافة هي أن هذه الدول ليس لديها البنية التحتية اللازمة ولا الخبرة التراكمية في إدارة ملف معقد كالضرائب، الأمر الذي يوجب خلق نظام حديث للإدارة الضريبية يضمن الامتثال ويمنع التهرب ويتجاوز تعقيدات تبادل السلع بين التجار، بل ويمنع وجود سوق غير قانوني للفواتير، والتفريق ما بين هذه الضريبة والرسوم الجمركية مع الأخذ بعين الاعتبار وجوب تطوير نظم التحصيل وتسهيلها، خصوصا أنها ترتبط بتعاملات يومية ضخمة في الأسواق الخليجية.

والأهم من تحصيل الضريبة هو كيفية ادارة الاموال الناتجة عنها، إذ لا يعقل في حالة الكويت مثلا أن تتسرب ايرادات ضريبة القيمة المضافة من خلال قنوات الهدر الحكومي كالعلاج بالخارج، أو يتم إنفاقها على مشروعات محدودة العائد للاقتصاد والتنمية.

الأسواق والتنافسية

مشكلة تطبيق ضريبة القيمة المضافة أنها ترتبط كذلك بأسواق محدودة التنافسية، فالكويت مثلا رغم أنها عدلت قانون الوكالات التجارية -ولم تصدر لائحته التنفيذية- فإن السوق فيها لا تزال المنافسة فيه غير عادلة، إذ أهمل القانون وقبله حماية المنافسة مسألة مهمة في أي سوق، وهي ضمان المنافسة وتكافؤ الفرص بين المتنافسين، الأمر الذي يجعل أي "وكيل قديم" قادرا على التحكم في السوق، متى ما أراد عزل أي مستثمر جديد، وهذه تؤثر بكل تأكيد على الأسعار المرتبطة بالمستهلكين، لأن نسبة الاستقطاع ستكون لمصلحة المستهلك، إذا كانت هناك منافسة وستكون ضده في حال غيابها.

وبالنسبة إلى دول المنطقة، فإن الأثر الإيجابي من ضريبة القيمة المضافة يمكن ألا ينعكس فقط في الأموال الناتجة عنها، بل أيضاً في وضع شروط تنافسية تدعم المنتج المحلي بكل ما يوفره من وظائف وعوائد، على حساب المنتجات المستوردة، وبالتالي تتحقق اكثر من فائدة للاقتصاد إذا تم تطوير الفكر الذي يدير منظومة هذه الضريبة.

توسع في الجباية

وشرعت دول الخليج خلال عام واحد في اتخاذ إجراءات فيها درجة معينة من الشدة تجاه المستهلكين، ففي بداية العام اتجهت لرفع اسعار الوقود والمحروقات، ثم اسعار الكهرباء والماء، ولم تنهِ عام 2016 إلا بتوافق على ضريبة القيمة المضافة، وبالتالي فإن تقديرات التضخم في المنطقة تسير في اتجاه تصاعدي على نحو غير مسبوق، وهنا يجب النظر للأضرار المجتمعية والاقتصادية، مع الاخذ في الاعتبار ان تكون اجراءات الاصلاح المالي ضمن مشروع واحد، لا قرارات متفرقة قد تكون آثارها المحاسبية جيدة لكن نتائجها الاقتصادية والاجتماعية فادحة.

ولا شك في أن لضريبة القيمة المضافة فوائد عديدة، إذا أُحسن تطبيقها في دول مجلس التعاون على الإيرادات العامة والاستهلاك وخلق الوظائف، رغم أن دول المجلس منذ عام 1981 (سنة التأسيس) لم تحقق إنجازا واحداً يذكر في ملف التعاون الاقتصادي.