اتسمت ردود الفعل الواردة من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية، بالحذر واكتفت بدعوته إلى حل الملفات الساخنة العديدة التي لم تتطرق إليها الحملة الانتخابية الأميركية إلا بإيجاز، في حين احتفل اليمين في العالم كما في روسيا بإزاحة النخبة السياسية ممثلة بالمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون.

وبعد ساعات من إعلان فوز مرشح الحزب الجمهوري، بعث العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، أمس، ببرقية تهنئة، متمنيا لدونالد ترامب، الذي لم يشغل أي منصب رسمي، أن يوفق في تحقيق "الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والعالم أجمع".

Ad

وذكر الملك سلمان في برقيته "بالعلاقات التاريخية الوثيقة بين البلدين الصديقين، التي يتطلع الجميع إلى تطويرها وتعزيزها في المجالات كافة، لما فيه خير ومصلحة البلدين".

وهنأ رئيس الإمارات الشيخ خليفة بن زايد ترامب، مؤكدا حرصه على العلاقات الاستراتيجية بين البلدين وتعزيزها في مختلف المجالات.

كما هنأ الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في برقيتين مماثلتين الرئيس الأميركي المنتخب.

الأفضل للأسد

وفي دمشق، رحبت أوساط سياسية مقربة من نظام الرئيس بشار الأسد بفوز ترامب، نظرا لمواقفه حيال نظامه وإمكان تعاونه مع روسيا في حل الأزمة. وقال مدير مركز دمشق للدراسات الاستراتيجية بسام أبوعبدالله إن "فوز ترامب بالنسبة إلينا في سورية هو الأفضل في ما يخص التفاهم مع روسيا وحديثه عن محاربة الإرهاب"، معتبرا أن ترامب "لا يعتبر عدو النظام، بل عدو الإرهاب، في حين أن هيلاي كلينتون متهمة بدعم التطرف، إن كان في ليبيا أو داعش والنصرة وحتى الإخوان المسلمين".

وأكد وزير الإعلام الأسبق مهدي دخل الله أن حزب ترامب أقل سوءا في إدارة السياسة الدولية من نهج حزب كلينتون الديمقراطي، ويعرف السوريون العداء الذي تكنه كلينتون لدولتهم أثناء وجودها في "الخارجية" في الفترة الرئاسية الأولى لأوباما، وكذلك ركزت في حملتها الانتخابية على العداء المطلق للدولة السورية، لكن ترامب مازال مجهولا، ما يجعل جميع الاحتمالات ممكنة.

وفي موسكو، لم يخف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بهجته بعودة الجمهوريين للبيت الأبيض، إذ أعرب، في كلمة أمام عدد من السفراء في "الكرملين"، عن "أمله في العمل المشترك لإخراج العلاقات من حالتها الصعبة، وإقامة حوار بناء" سيكون "في مصلحة البلدين والمجتمع الدولي".

وقال الرئيس الروسي، الذي كان من أوائل القادة الذين قدموا التهنئة لترامب، "نحن ندرك أن الطريق سيكون صعبا، نظرا الى تدهور العلاقات المؤسف، ولكن روسيا مستعدة وراغبة في إعادة العلاقات الكاملة مع الولايات المتحدة، ونحن مستعدون للقيام بدورنا، ونفعل كل ما بوسعنا للعودة إلى مسار التطور".

وضج البرلمان الروسي، أمس، بالتصفيق عند الإعلان عن فوز ترامب، الذي أشاد مرارا ببوتين على دعمه له بشكل غير مباشر خلال حملته الانتخابية، فيما سجلت الأسواق الروسية صعودا، في حين شهدت الأسواق العالمية هبوطا عقب إعلان النبأ.

خطوات ونزاعات

وفيما أعرب الرئيس الصيني شي جينبينغ عن تطلعه الى العمل مع ترامب "والتمسك بالاحترام المشترك ومنع النزاعات والم واجهات"، عبر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان عن أمله في أن يؤدي فوز ترامب إلى خطوات إيجابية بالنسبة إلى الشرق الأوسط وإلى الحقوق والحريات الأساسية في العالم وبالديمقراطية والتطورات في منطقتنا.

وطالب رئيس الوزراء بن علي يلدريم ترامب بتسليم فتح الله غولن، الذي تتهمه أنقرة بقيادة تنظيم إرهابي وقيادة المحاولة الانقلابية الفاشلة التي شهدتها منتصف يوليو الماضي، مؤكدا أن هذا من شأنه أن يفتح "صفحة جديدة" في العلاقات.

واعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ترامب "صديقا حقيقيا لدولة إسرائيل"، مؤكدا "سنعمل معا من أجل دفع الأمن والاستقرار والسلام في منطقتنا قدما، وسنواصل تعزيز التحالف الفريد من نوعه القائم بيننا، وسنقوده إلى قمم جديدة"، مذكرا بأن "العلاقة المتينة بين الولايات المتحدة واسرائيل مبنية على قيم ومصالح مشتركة وعلى مصير مشترك".

وفي وقت سابق، قال وزير التعليم الإسرائيلي نفتالي بينيت، الذي يتزعم حزب "البيت اليهودي" المتشدد، إن فكرة الدولة الفلسطينية انتهت بعد انتخاب ترامب، داعيا إسرائيل الى استغلال الفرصة والتراجع عن فكرة إقامة هذه الدولة.

ودعت وزيرة العدل إيليت شاكد، ونائبة وزير الخارجية تسيبي هوتوفلي، ترامب الى الوفاء بوعده بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب الى القدس، والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، في خروج عن سياسة الإدارات الأميركية المتعاقبة، سواء كانت ديمقراطية أم جمهورية.

دولة فلسطين

في المقابل، أعلنت الرئاسة الفلسطينية جاهزيتها للتعامل مع أي رئيس ينتخبه الشعب الأميركي على قاعدة الالتزام بحل الدولتين وإقامة دولة فلسطين على حدود 1967 والقدس الشرقية عاصمة لها"، مؤكدة أن على الإدارة الجديدة أن تدرك أن تحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة يأتي من خلال حل القضية الفلسطينية حلا عادلا وفق الشرعية الدولية.

ودعت حركة "حماس" ترامب إلى إعادة تقييم سياسة أميركا تجاه الفلسطينيين وقضيتهم، مؤكدة أن "المعاناة مستمرة بسبب سياسة الانحياز من الإدارات المتعاقبة لمصلحة الاحتلال الإسرائيلي".

وفي برلين، عرضت المستشارة أنجيلا ميركل على ترامب "تعاونا وثيقا يستند إلى القيم المشتركة للديمقراطيات الحرة في احترام حكم القانون والكرامة بغضّ النظر عن الأصل ولون البشرة والدين والجنس والميول والمعتقدات السياسية"، معتبرا فوزه تحذيرا لألمانيا وأوروبا.

لكن نائبها، زيغمار غابرييل، اتهم ترامب بأنه "رائد الحركة الاستبدادية والشوفينية الدولية الجديدة"، معتبراً أن فوزه يعد تحذيراً لألمانيا وأوروبا للاستماع بدرجة أكبر إلى مخاوف الناس.

وأعرب وزير الخارجية فرانك شتاينماير عن أمله في "ألا تحدث اضطرابات كبرى في السياسة العالمية"، قائلا: "لا نعرف الطريقة التي سيحكم بها ترامب، وأعتقد أنها ستميل لاتخاذ قرارات بمفردها في كثير من الأحيان".

وإذ أكد وزير العدل هيكو ماس أن العالم سيزداد جنونا بعد فوز ترامب، وصفت وزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون در لاين نتائج الانتخابات الأميركية "بالصدمة الكبرى"، مشددة على أن "دونالد ترامب يعلم أن هذا التصويت ليس له، ولكن ضد واشنطن وضد المؤسسة".

تعاون عقلاني

وبروكسل، حيث اجتمع وراء خارجية الاتحاد الأوروبي لبحث تداعيات نتيجة الانتخابات الأميركية، أمل رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز في "تعاون عقلاني" مع ترامب، معترفا بأن "الأمر لن يكون سهلا، والعمل معه أصعب، لأننا سمعنا خلال الحملة الانتخابية بعضا من عناصر سياسة الحماية إضافة إلى بعض الكلمات المقلقة عن المرأة وعن الأقليات".

من جهته، اعتبر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ أن زعامة الولايات المتحدة "مهمة أكثر من أي وقت مضى" بعد فوز ترامب، قائلا إن "حلفا قويا هو أمر جيد للولايات المتحدة وأوروبا".

بدورها، أكدت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي أن بلادها ستحتفظ "بشراكة قوية ووثيقة في التجارة والأمن والدفاع"، مؤكدة أنها تتطلع للعمل معه لبناء على هذه العلاقات لضمان الأمن والرخاء للطرفين.

وفي حين هنأت حكومات شمال إفريقيا وكندا الصين والهند واليابان وباكستان إسبانيا بفوز ترامب بالرئاسة الأميركية، وتعهدت بالمحافظة على علاقاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة، اعتبر رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي أن ما حدث في الانتخابات الأميركية "حقيقة سياسية جديدة تظهر مع أشياء أخرى في عهد جديد"، مؤكدا أنه مقتنع أن العلاقة الودية بين البلدين ستظل "قوية ومتينة ولن تتغير".

وتشهد أوروبا الكثير من المواقف المتطابقة مع خطاب ترامب، مواقف قومية معادية للأجانب وللنخب ومعارضة للعولمة، تعكس صعودا للتيارات الشعبوية في الديمقراطيات الغربية.

ففي فرنسا، تزداد شعبية حزب الجبهة الوطنية الذي يتموضع إلى أقصى يمين المشهد السياسي، وتتوقع استطلاعات الرأي ارتقاء رئيسته مارين لوبن الى الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية في 7 مايو 2017، وقد كانت من أوائل الذين هنأوا الرئيس الأميركي المنتخب.

وفي بريطانيا، تجاوب العديد من المواطنين مع دعوة حزب "يوكيب" المعادي لأوروبا الى "استعادة بلادنا"، وصوتوا في يونيو من أجل الخروج من الاتحاد الأوروبي.

وفي ألمانيا، يحقق حزب "البديل لألمانيا" اليميني الشعبوي سلسلة من الانتصارات الانتخابية في الأشهر الأخيرة، مستغلا الاستياء الشعبي من تدفق المهاجرين الى البلاد. كما يسجل الوضع نفسه في دول مثل هولندا وإسكندنافيا حيث يتصاعد اليمين المتطرف.

وفي النمسا، اعتبر زعيم حزب "الحرية" الشعبوي اليميني المتطرف هاينز كريستيان شتراسه أن "الناخبين يعاقبون اليسار السياسي والمؤسسة المتبلدة المهلهلة ويستبعدونهم من العديد من مناصب اتخاذ القرار".

ويأمل الحزب أن يصبح مرشحه نوربرت هوفر أول رئيس يميني متطرف لدولة في الاتحاد الأوروبي يوم الرابع من ديسمبر، وأن يخلف الزعيم السابق لحزب "الخضر" ألكسندر فان دير بيلين في إعادة لانتخابات مايو الملغاة.

كره النخب

كذلك أعرب رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان والرئيس التشيكي ميلوس زيمان اللذان يتعرضان للانتقاد بسبب خطابهما الشعبوي والمعادي للهجرة، عن تأييدهما للملياردير الأميركي.

وتلتقي جميع هذه الأحزاب والحركات المصنفة في خانة الشعبوية حول العديد من النقاط: انتقاد "اللياقة السياسية"، وكره "النخب" السياسية والمالية، والعداء لعدو مشترك هو العولمة التي يرون فيها لعبة ابتكرها أثرياء العالم لخداع الشعوب.

وعلى وقع شعور المسلمين في آسيا بالخوف من اندلاع حروب بعد فوز ترامب، تزايد القلق في إندونيسيا حول مستقبل العلاقة مع الولايات المتحدة، الحليف التقليدي للبلاد.

وقال المسؤول البارز في مجلس علماء إندونيسيا دين صيام الدين إن فوز دونالد ربما يخلق توترا جديدا بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، موضحا أنه أصدر تعليقات "سلبية وساخرة" عن المسلمين في الماضي، ونسي أن كثيرا من الأميركيين مهاجرون".

واعترف رئيس الوزراء الماليزي نجيب رزاق بأن استطلاعات الرأي أخفقت في رصد القاعدة المؤيدة لترامب، داعيا إلى استمرار العلاقات مع بلاده والارتقاء بها إلى شراكة شاملة عام 2014، كما أنهما حليفان في المعركة ضد الإرهاب والتطرف.