«المغامر»!

نشر في 11-11-2016
آخر تحديث 11-11-2016 | 00:00
 مجدي الطيب عندما أعلنت إدارة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي قرار تكريم المنتج حسين القلا رأيت الدهشة في عيون أبناء الجيل الذي يغفل قيمة الرجل ومكانته، ويجهل دوره الكبير في النقلة المفصلية الهائلة التي حققتها صناعة السينما المصرية على يديه، حتى يمكن القول إن الإنتاج السينمائي مرّ بمرحلتين، أولهما ما قبل حسين القلا والثانية ما بعده!

تشاء الأقدار أن يؤسس «القلا» مشروعه الإنتاجي، عبر «الشركة العالمية للتلفزيون والسينما» في عام 1982، وهو العام الذي بدأت فيه مسيرتي في عالم الصحافة، من ثم كنت كثيراً ما أتردد على مكتب الشركة في شارع عدنان المدني بالزمالك لأحصل على خبر أو صورة، أو أتابع الأفكار الكثيرة التي ترددت آنذاك عن مشاريع سينمائية واعدة ولدت على أيدي نقاد كبار قيل لنا إنهم «العقول المفكرة» للشركة الوليدة.

عرفت آنذاك المنتج والموزع فلسطيني الجنسية مصري الهوى، وأشهد أن ابتسامته لم تفارقه يوماً، رغم العراقيل والعقبات التي كانت تواجهه، وفرضت عليه الدخول في معارك لا يريدها، إذ كان يملك طموحات كبيرة، وأحلاماً أكبر، وكان يُدرك أن الإنتاج في ظل بنية أساسية متهالكة لا يُجدي، وبعد دراسة جدوى استمرت زهاء ستة أشهر، أشرف عليها وقتها أحد المكاتب اللبنانية المتخصصة (مكتب بهيج مالك)، أيقن أن البداية ينبغي أن تكون من خلال بناء وتجديد دور العرض في مصر. وعلى الفور، استأجر في عام 1984 سينما «كريم 1» ( 470 مقعداً) و{كريم 2» (100 مقعد) وجددهما في شارع عماد الدين الشهير، وحالما انتهى من التحديث باتت الفرصة مهيأة للإنتاج فبدأ بفيلم «للحب قصة أخيرة» (1985) إخراج رأفت الميهي. وفي العام التالي مباشرة، أنتج «الطوق والأسورة» إخراج خيري بشارة و{البداية» للمخرج الكبير صلاح أبو سيف، وفي العام نفسه استأجر وجدّد سينما الجمهورية (800 مقعد)، وبعدها توالت نتاجاته الرائعة: «زوجة رجل مهم» (1987)، «أحلام هند وكاميليا» (1988) إخراج محمد خان، «يوم مر يوم حلو» (1988) إخراج خيري بشارة، «الكيت كات» (1991) إخراج داود عبد السيد، «المواطن مصري» (1991) إخراج صلاح أبو سيف، و{أرض الأحلام» (1993) إخراج داود عبد السيد، وهي الأفلام التي كان لها الفضل في تدشين ما اصطلح على تسميته «تيار الواقعية الجديدة في السينما المصرية»، كذلك أعادت للفيلم المصري هيبته ومكانته في المنطقة العربية والمهرجانات الدولية، وصارت علامات في تاريخ السينما العربية.

لا يمنعنا هذا من القول إن «القلا» أنتج أفلاماً تغلب عليها السمة التجارية، مثلما فعل في: «قبل الوداع» (1986) إخراج حسين الوكيل، و{أربعة في مهمة رسمية» (1987) إخراج علي عبد الخالق، و{بطل من ورق» (1988) إخراج نادر جلال، و{ولاد الأيه» (1989) إخراج شريف يحيى. لكنها لم تنحدر إلى مستنقع الابتذال والرخص والسوقية التي آلت إليه السينما التجارية في ما بعد، بل حافظت على سوية فنية تضمن لها الانتماء إلى صناعة الفيلم السينمائي، وبعد كل «نزوة» كانت روح المغامرة تسيطر على منتجنا الجريء، فيعود إلى سابق عهده، وينتج «أيام الرعب» (1988) إخراج سعيد مرزوق ثم «الحب في الثلاجة» (1992) وبعد غيبة عن الساحة لما يقرب من ثلاث سنوات يعود كمنتج منفذ لفيلمي «أرض الخوف» (1996) إخراج داود عبد السيد و{سهر الليالي» (2002) إخراج هاني خليفة. وبعد أربع سنوات امتلك زمام العملية الإنتاجية برؤية طازجة، وعقلية متحررة، وراح يراهن على جيل الشباب، من خلال فيلمي «أوقات فراغ» (2006) و{الماجيك» (2007) إخراج محمد مصطفى، الذي اختاره ليتولى مسؤولية إخراج فيلمه الجديد «يوم من الأيام» (2016) الذي انتهى تصويره منذ أيام، ويعود به إلى الساحة الإنتاجية بعد تسع سنوات من الغياب!

صحيح أن «القلا» زجّ بنفسه في معركة لا طائل من ورائها عندما انحاز إلى موقف الكاتب وحيد حامد في خلافه الشهير مع المخرج علي بدرخان حول تحويل مسرحية «جريمة في جزيرة الماعز» إلى فيلم سينمائي، لكن الجمهور المصري كان الرابح في النهاية، بعدما أتيحت له مشاهدة فيلمين عن أصل واحد أنتجا في العام نفسه، هما «رغبة متوحشة» إخراج خيري بشارة و{الراعي والنساء» إخراج علي بدرخان. واستمتع بمباراة في الأداء بين سعاد حسني وأحمد زكي ويسرا من جهة، ونادية الجندي ومحمود حميدة وسهير المرشدي من جهة أخرى!

لا أعرف من صاحب اقتراح تكريم حسين القلا في الدورة الثامنة والثلاثين لمهرجان القاهرة السينمائي، لكن أزعم أنه سيكون أفضل منجزات الدورة.

back to top