High Light: مزاج عام إصلاحي
الحكومات المتعاقبة عبر تاريخ الكويت السياسي لم تتعامل مع أبناء الشعب الكويتي على أنهم مواطنون أحرار ينتمون إلى دولة ديمقراطية تعتمد المواطنة الدستورية التي من أهم مقوماتها: العدالة الاجتماعية والحرية والكفاءة الشخصية، والشفافية، والمساءلة، والمساواة أمام القانون في الحقوق والواجبات دون النظر إلى العرق، أو الانتماء السياسي، أو الديني، أو القبلي، لكنها نسفت كل ذلك وتعاملت معهم كرعايا يتبعون زعماء القبائل والطوائف. ومن هذا المدخل تخرج كل موسم انتخابي العطايا والهبات الكبيرة لشراء الولاءات السياسية، وتبرز هنا خطورة دور رأس المال السياسي في التأثير على نتائج الانتخابات البرلمانية.ويكفي أن نذكر أن المجلس المنحل وخلال انعقاده لمدة ثلاث سنوات قد حقق أعلى الأرقام القياسية في النوم بالعسل! مما أصاب المواطنين بالإحباط والشعور باليأس، بسبب سلسلة من القرارات الصادمة؛ وصلت بهم الحال إلى حد الخوف من المستقبل، وانعكس هذا الخوف على نفسيات المواطنين، ليكون مزاجاً عاماً إصلاحياً خيم على المناخ السياسي، هذا من جهة، وهيمن على روح الناخبين من جهة أخرى، فوضع المرشحين أمام اختبار حقيقي لقياس وجودهم في المرحلة المستقبلية الحرجة، والتي تتوقف على مدى قوة برامجهم الانتخابية، وعلى نوعية أفكارهم، وما يتبنونه من قضايا تمس بالدرجة الأولى مصالح الكويت والكويتيين، كذلك تتطلب هذه المرحلة منهم أن يفصحوا بشكل واضح وصريح عن مواقفهم تجاه قضايا الفساد.
وأيضاً يضع هذا المزاج الإصلاحي الناخب الكويتي أمام تحدّ جديد للتعرف على مدى وعيه، وقدرته على أن يبرهن من جديد، أنه لا يزال الرقم الصعب في المعادلة السياسية، ولا سيما أن قطاعا كبيرا من المواطنين قد استوعب الدرس القاسي والمرير بعد تجربة المجلس السابق؛ ويفترض أن تكون هذه التجربة قد أسهمت في تنمية الوعي السياسي لدى الناخبين إلى حدّ يجعلهم قادرين على الفرز، وفهم الواقع السياسي وتعقيداته، لاختيار الأصلح في المرحلة القادمة، وذلك لمواجهة تحديات الكويت الداخلية والخارجية. ولمعرفة قوة وجود هذا المزاج الإصلاحي يكفي أن نراجع نتائج التشاوريات المجرّمة، والتي أقصت المشاركين فيها من أعضاء المجلس المنحل، وهذا مؤشر جيد ينمّ عن وعي سياسي جيد؛ ولكنه غير كاف، فلا بد أن تزداد حدة وتيرة هذه الروح الإصلاحية الوطنية، من خلال رسائل متعددة يتبناها الوطنيون من أبناء الشعب الكويتي، عن طريق: المقالات والندوات ووسائل التواصل الاجتماعي، حدّة تصل إلى إقصاء بقية المناديب! وهذه دعوة للجميع للمساهمة في تنظيف المشهد السياسي الكويتي من المرتزقة السياسيين الذين حققوا مكاسب مادية هائلة على حساب المال العام. ختاماً: إني على ثقة بأن الكويتيين لو أتيحت لهم الفرصة كاملة؛ في انتخابات حرة ونزيهة لاختيار ممثليهم، دون المحاولات المستميتة للتأثير عليهم، سواء بالرشا (مال سياسي- معاملات)، أو من خلال التهديد بفتح ملفات الجنسية، أو من خلال اللعب على وتر الطائفية، أو القبلية، أو الفئوية... إلى غير ذلك من محاولات، فسيقدمون نموذجا ديمقراطيا راقيا، يكون أرضية صلبة لأي إصلاح سياسي قادم، يؤسس لتنقيح الدستور لمزيد من الحريات لتتحول الكويت من النظام الديمقراطي الهجين (رئاسي- برلماني) إلى النظام البرلماني الكامل، بشكل يسمح بأن يختار الشعب من خلال ممثليه حكومته. وهذا مرهون بطبيعة الحال باجتماع الإرادتين. ودمتم بخير.