تشبه السياسة الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب قفزة كبيرة في المجهول، لأن التصريحات التي أدلى بها خلال حملته اتسمت بالغموض والتناقض.

وما يزيد الغموض أن الرئيس الخامس والأربعين لأول قوة عالمية قال بنفسه في خطابه الوحيد حول السياسة الخارجية في أبريل الماضي، «أريد أن أكون شخصا لا يمكن التنبؤ بمواقفه».

Ad

انعزالي

ويصنف خبراء ترامب في خانة التيار الانعزالي، أحد تياري السياسة الخارجية السائدين منذ القرن التاسع عشر في البلاد.

وكان الباحث طوماس رايت (من مركز بروكينغز) يتخوف من أن «تتخلى الولايات المتحدة إبان رئاسة ترامب عن دورها القيادي على الصعيد الدولي».

ويحذر هذا الباحث من أنه «اذا ما انهارت هذه السياسة، لا يعرف أحد أين سينتهي ذلك، وقد تتوافر عندئذ الظروف لحرب كبرى».

وكان ترامب قال أكثر من مرة إنه لم يعد في وسع الولايات المتحدة أن تكون شرطي العالم، وعليها أن تقلص مساعداتها الدولية.

... أم هجومي؟

إلا أن مراقبين يتوقعون أن ينجر الرئيس الجديد الى الأزمات الخارجية، خصوصا في منطقة الشرق الأوسط المشتعلة بالحروب، حيث قدم تعهدات كبيرة، منها تعديل الاتفاق النووي الإيراني، والقضاء بالكامل على تنظيم «داعش» ووضع خطة في غضون 30 يوما من فوزه للقيام بذلك، والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، واتباع سياسة انتفاعية مع دول الخليج العربي.

كما وعد المرشح الجمهوري، خلال الحملة التي استمرت 16 شهرا، باعتماد سياسة مغايرة لسياسة باراك أوباما، أي المصالحة مع روسيا التي يتزعمها الرئيس فلاديمير بوتين، وإرسال عشرات آلاف الجنود الى سورية والعراق للقضاء على تنظيم «داعش»، وإعلان حرب تجارية على الصين، وإعادة النظر في مبادئ الحلف الأطلسي والاتفاقات الدولية حول المناخ والتبادل الحر.

موسكو

وبعد إعلان الرئيس الروسي بوتين أنه يأمل أن يساعد انتخاب ترامب على تحسين العلاقات مع واشطن، قالت ماريا زخاروفا المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، أمس، إن روسيا مستعدة للعمل على تحسين علاقاتها الثنائية مع الولايات المتحدة في عهد ترامب. وأضافت أنه من السابق لأوانه توقع مزيد من الخطوات المحددة لتحسين العلاقات في وقت لم يبدأ فيه ترامب بعد في تشكيل فريقه.

من ناحيته، اعتبر نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، أن روسيا «ليست مبتهجة» بفوز ترامب، مشيرا الى انه يمكن أن يكون «معاديا» لروسيا مثل سلفه. وقال ريابكوف لوكالة أنباء انترفاكس الروسية «لسنا في حالة ابتهاج... لا أريد أن نعطي الانطباع بأننا نعلق آمالا كبيرة». وأضاف أن «المواقف من روسيا التي عبر عنها (دونالد ترامب) وتلك التي عبر عنها مندوبو حملته والمقربون منه تتسم بشيء من القسوة».

وأوضح نائب وزير الخارجية الروسي أن «لا سبب يحملنا على تغيير وجهة نظرنا: اتسمت الحملة الانتخابية في الولايات المتحدة بتوافق الحزبين على معاداة روسيا».

وقد اتهمت هيلاري كلينتون منافسها دونالد ترامب مرارا بأنه «دمية» في يدي بوتين. وقال ريابكوف إن موسكو أجرت اتصالات مع فريق الرئيس الأميركي الجديد، ولم يقدم مزيدا من الايضاحات. وقال «لا ننتظر شيئا مميزا من الإدارة الأميركية الجديدة».

الصين والحرب التجارية

وغالبا ما وصف ترامب خلال الحملة الصين بأنها «عدوة» أميركا، واتهمها بأنها «تسرق» فرص عمل من بلاده، وبالتلاعب بعملتها، وهدد بحرب تجارية ضد هذه القوة العالمية الثانية. وفي اثناء التجربة النووية التي أجرتها كوريا الشمالية في يناير، طالب الصين بممارسة ضغوط على حليفها الشيوعي، وإلا «سنضطر الى جعل المبادلات التجارية مع الصين بالغة الصعوبة».

وحذرت وسائل الإعلام الرسمية الصينية ترامب، أمس، من سياسة الانعزال والتدخل، داعية الولايات المتحدة إلى العمل بفاعلية مع الصين للحفاظ على الوضع الراهن على الساحة الدولية.

وكان ترامب قد تعهد بتمزيق اتفاقات تجارية وتطبيق سياسة خارجية أحادية الجانب بشكل أكبر عملا بمبدأ «أميركا أولا» الذي أطلقه أثناء حملته الانتخابية العاصفة.

لكن الصين وحكومات أجنبية أخرى ليست متأكدة من كم تصريحات ترامب التي يعتزم تطبيقها على أرض الواقع، نظرا لأنه أدلى أحيانا بتصريحات متناقضة، وكان لا يقدم تفاصيل وافية عن الطريقة التي سيتعامل بها مع العالم.

ووجه ترامب انتقادات لبكين أثناء حملته الانتخابية، إذ ألقى باللوم عليها في فقدان وظائف أميركية، وتعهد بفرض رسوم جمركية بنسبة 45 في المئة على الواردات الصينية. كما وعد بأن يصف الصين بالمضارب في العملة في الأيام الأولى من توليه الرئاسة.

وقالت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) إن السياسات الانعزالية الأميركية «عجلت بالأزمة الاقتصادية للبلاد» أثناء الكساد الكبير، لكنها أضافت أن «خطاب الانتخابات ليس سوى خطاب انتخابات». وحذرت الوكالة أيضا من أي نزعة للتدخل.

الأطلسي وكوريا واليابان

وكان الرئيس الأميركي المنتخب الذي سيتسلم مقاليد الحكم في البيت الأبيض في 20 يناير 2017، تسبب بالذعر في الربيع الماضي على الجانب الآخر للمحيط الأطلسي بقوله ان الحلف الاطلسي «فقد جدواه»، ولفت الى أن تدخل واشنطن الى جانب حلفائها الأوروبيين إذا ما تعرضوا لعدوان روسي، رهن بالمساهمات المالية الأوروبية في ميزانية الحلف.

وأطلق النوعية نفسها من التهديدات في شأن التحالفات العسكرية التاريخية للولايات المتحدة مع اليابان وكوريا الجنوبية. وأمس قالت وكالة يونهاب الكورية الجنوبية أن ترامب تعهد بالدفاع عن كوريا الجنوبية في حال تعرضت لهجوم.

وأعلنت طويكو أن رئيس الوزراء الياباني سيزور واشنطن للقاء الرئيس الأميركي في وقت قريب.

إيران

الى ذلك، قال وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف، أمس، إن طهران تطالب كل الأطراف بالالتزام بالاتفاق النووي الدولي المبرم العام الماضي، لكن لديها خيارات إذا لم يحدث ذلك.

جاءت تصريحات ظريف بعد أن أظهرت طهران قلقها من قيام ترامب بتمزيق الاتفاق النووي. وقال ظريف في مؤتمر صحافي في براتيسلافا بعد اجتماع مع نظيره السلوفاكي ميروسلاف لايتشاك «بالطبع خيارات إيران ليست محدودة، لكننا نأمل ونرغب ونفضل التنفيذ الكامل للاتفاق النووي».

سورية

وعرضت المستشارة السياسية والإعلامية للرئيس السوري بشار الأسد، بثينة شعبان، أمس، التعاون مع الرئيس الأميركي المنتخب في حال تطابقت سياساته مع آراء وتطلعات النظام، مؤكدة أن دمشق تأمل ببدء مكافحة الإرهاب فعليا تحت إدارته الجديدة. وفي رسالة تهنئة لترامب، قال المنسق العام للهيئة للمعارضة رياض حجاب: «نأمل أن نجد العون لإيقاف نزيف الدم السوري، وأن نجد معكم ومع سائر أصدقاء سورية الوسائل الأسرع والأنجع لحماية المدنيين والتخفيف من معاناتهم»، مضيفا: «نتطلع الى مزيد من التواصل والتنسيق معكم لإرساء السلام في منطقتنا وإيجاد حلول عادلة وسريعة لما تعانيه المنطقة من خطر الإرهاب بكل تنظيماته وأشكاله، وخصوصا إرهاب الدولة الذي يمارسه النظام». وكان ترامب قال إن الأولوية في سورية هي لمكافحة الإرهاب وتحديدا تنظيم «داعش»، وأظهر في وقت متأخر من حملته أنه قد يتعامل مع الأسد.

العراق

والملف الأكثر غموضا هو ملف العراق، حيث تمكنت إدارة الرئيس باراك أوباما من نسج معادلة دقيقة تؤمن المصالح الأميركية ولا تتناقض مع النفوذ الإيراني المتضخم في العراق. وكان ترامب أعلن معارضته لمعركة الموصل الجارية حاليا، آخذا عليها أن موعدها أعلن سابقا، ما دفع «داعش» الى الاستعداد.

الوليد بن طلال

وفيما التزمت دول الخليج العربية الصمت الإيجابي تجاه ترامب، قال الأمير السعودي الوليد بن طلال إن منطقة الشرق الأوسط بحاجة إلى بعض الطمأنة على أن ترامب سيعتبر العالم العربي حليفا له. وأضاف أنه يعتزم لقاء ترامب في الولايات المتحدة قريبا.