قداسة قلبي
حرتُ! من أين جاء إلى هذه المُضغة العظمة والغموض؟ كيف لهذا الشيء الصغير الذي يوازي حجم قبضة اليد أن تتفجر منه عيون الأدب العالمي والعربي؟ فعزمت على تشريحه بسؤالِ وجواب. فما القلب لغةً؟ وكيف بَدَأَ بيولوجيا؟ وما وزنه دينياً؟ وهل يحتاج إلى تقديسنا؟ في تفنيديات الحروف للثعالبي النيسابوري في كتابه «فقه اللغة» أوضح بأنه لا حرف إلا وله دلالته، وحروف كلمة «قلب» تفيد بخلاف التقلب بل بالتشبث والواقع خيرُ برهان، فهو يَستقر بقاف ويتعلق بلام ويبسط معانيه ومشاعره بالباء. والقلب يَعْني عِندنا مركز الإنسان، كما يتطابق هذا المعنى عند العَجَمِ، (Heart) بالإنكليزية وباليونانية (okan)، كلها تعني مركز الإنسان، كذلك بالفارسية والأوردية يكون التطابق كتابة ولفظا، فأقر البشر بأنه مركز الإنسان ماديا، ولكن كيف بدأ بيولوجيا؟
جنين الأم يبدأ بتكونه في البويضة المخصبة ليتحول فيها من شكل نطفة إلى شكل عمودي أشبه بالأنبوب المسدود الطرفين، ينتفخ أحد الطرفين أكبر من الآخر ليكون مكان الدماغ، ومن هنا جاء اللفظ الفصيح للرأس (نافوخ)، ثم تبدأ الشرايين المعقدة بالانتشار بالجسم، ثم يتكهرب الجسم بنبض من عضلة صغيرة تملأ جسمه دما، ولكن بعد الولادة تظهر معجزة يسمونها (Qualia). تعريفها المحدد هو (ظاهرة وعي الإنسان للواقع)، فكيف استطاع الإنسان التعقل؟ قفز ابن سينا برأيه في كتابه «القانون في الطب» كما سبقه فلاسفة اليونان وشاركه العديد من العلماء الأقدمين بأن مركز العقل (الوعي) هو بالقلب لا غيره، إلى أن حادَ الطِبّ في القرن الحادي والعشرين إلى ترجيح الوعي للدماغ، ففيه تحدث كل التفاعلات الكهروكيميائية لما تنشط معلوماتنا ومشاعرنا. والقلب هو الذي يمد الدماغ بهرمونات يديره بها، وذكر الأرشيف الطبي، بعد نقل القلب من شخص لآخر بين المرضى والمتبرعين، وجدوهم يحلمون بذكريات المتبرعين، ويتطبعون بعاداتهم وتقاليدهم وأحياناً يدينون بدينهم! ولكن ما وزن القلب دينياً؟ جميع الأديان تحوم حول أمل القلب وألمه، وديننا امتاز عنها بوصفه للقلب بوِعاء الوَعي! أي أن حل (Qualia) موجود منذ ما يزيد على 1400 سنة، فآياته لم تَصف العَقلَ إلا كفعل ولا ينبغي له إلا ذلك، فالعِقال باللغةِ هو الربط، وهو ما نفعله حينما نربط بين المعلومات والأحاسيس والمشاعر لندرك الواقع، قال تعالى «لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا»، كذلك «أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا». فالقرآن الكريم علمنا أن العقول هي القلوب، والإسلام ذم من يفسده لأنه هو العقل الذي بهِ يبصر الحياة، قال تعالى: «فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ»، لذا من الضروري أن أقدس قلبي لقوله تعالى «يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ».