شكوك حول قدرة إفريقيا على بدء التعافي الاقتصادي

نشر في 12-11-2016
آخر تحديث 12-11-2016 | 00:00
هناك شكوك متنامية في الرأي القائل بأن إفريقيا تنهض، إذ إن غانا وموزامبيق ونيجيريا وزامبيا التي كانت في طريقها نحو الصعود، هي الآن بين ساعية للحصول على قروض إنقاذ من صندوق النقد الدولي أو حصلت بالفعل على تلك القروض.
بدأت إفريقيا رحلة «الصعود»، أو هذا ما صرحت به مصادر مسؤولة قبل عدة سنوات، وأبرز غلاف مجلة الايكونوميست البريطانية هذه الصورة بجلاء في سنة 2013، كما أن صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية نشرت سلسلة من المقالات حول النمو الاقتصادي في تلك القارة تحت عنوان «أسود إفريقيا شرعوا في التحرك»، بحسب تقرير نشر في شهر سبتمبر الماضي من قبل معهد ماكينزي العالمي.

ولكن على الرغم من ذلك توجد شكوك متنامية في هذا الرأي وقد أوجزها تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز في الشهر الماضي تحت عنوان «إفريقيا تنهض»، ولعل الأصح في الوقت الراهن هو إفريقيا تتراجع، وبدا أن أربع دول كانت في مرحلة صعود وهي غانا وموزامبيق ونيجيريا وزامبيا – وهي الآن إما تسعى الى قروض انقاذ من صندوق النقد الدولي أو أنها حصلت على تلك القروض، وقد اندلعت واحدة من أسوأ الحروب الأهلية في جنوب السودان وهي الدولة التي كانت الأسرع نمواً في عام 2013، كما أن محرر الشؤون الإفريقية في صحيفة فايننشال تايمز البريطانية ديفيد بيلنغ أشار في شهر مارس الماضي الى أن «الشيء الوحيد الذي نعرفه عن الدول الإفريقية هو أننا لانعرف الكثير عنها على الإطلاق».

والسؤال هو: لماذا يتحدث الخبراء اذن بثقة تامة عن قضايا شائكة ومحيرة بشكل أساسي؟ ويفضي هذا الى سؤال أكثر اثارة للقلق: هل يمكن التعويل على اولئك الأشخاص الذين يطرحون تقييمات مؤثرة وهل يتحملون المساءلة، وأمام من عندما يتبين أنهم على خطأ؟

أسئلة ملحة

أصبحت مثل تلك الأسئلة ملحة جداً لأن المعلومات الزائفة جعلتهم يبدون أكثر موثوقية من التكنوقراطيين. ويقول مايكل غوف وهو أحد أبرز دعاة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في حزب المحافظين، إن «لدى الناس في هذا البلد ما يكفي من الخبراء»، وقد أطلقت حملة البريكست شريحة واسعة من المزاعم الزائفة واستدعت وجود معرفة دقيقة وصحيحة.

وعلى الرغم من ذلك، قال الخبير سيباستيان مالابي في الآونة الأخيرة إن الخبراء مهيئون للسقوط، وتجدر الإشارة إلى أن حوكمة الخبراء ازدهرت بصورة غير مسبوقة في العقود الأخيرة، ويرجع ذلك الى أن الحياة السياسية والاجتماعية غدت مدفوعة بصورة متزايدة بالاعتبارات الاقتصادية والفعالية والربح، وحتى الشخصيات السياسية التي تهدف الى أن تقيم وفقاً لكفاءتها الاقتصادية أصبحت تتحدث الآن بلغة الخبراء والتكنوقراطيين.

خبرة التكنوقراطيين

ويتعين على من يشغلهم وضع الديمقراطية ادراك وحساب النفوذ غير العادي للخبرة التكنوقراطية، ويرجع ذلك الى أنه، كما يجادل ديفيد كيندي وهو عالم قانوني في جامعة هارفارد في كتابه الجديد بعنوان «عالم الصراع: كيف ترسم القوة والقانون والخبرة الاقتصاد السياسي العالمي»، يبدو أن الخبراء يصفون عالم الاقتصاد والسياسة قبل أن يوجد فعلاً.

وعلى صعيد الواقع، فإنهم يخلقون ذلك العالم من خلال تحديد وتعريف معانيهم وأهدافهم المركزية، وهم يقومون بذلك بعد صراع فعلي مع وجهات نظر متعارضة، وبعيداً عن الحيادية فإنهم ينهمكون في منافسات حامية من أجل «الثروة والوضعية والفرصة»، وهي جوانب تنطوي بشكل واضح على رابحين وخاسرين.

وعلى سبيل المثال، فإن العديد من الناس يشككون في رواية وسرد مسألة صعود أو نهوض إفريقيا، لكن الخبراء الذين أقاموا ما يعرف بالتماسك الداخلي قد نجحوا أيضاً في رسم عمليات اتخاذ القرار على الصعيدين السياسي والاقتصادي، ويعتمد قائد متسلط مثل حاكم رواندا بول كاغيم على المنطق المتمثل في صناع الحقيقة عندما يقدم نفسه الى الغرب على أنه قادر على توجيه «الصعود» الاقتصادي لبلاده. وإذا قال الخبراء إن «اقتصاد المعرفة» يشكل ويرسم مستقبل الانسانية فإن دولة غنية بالنفط والغاز مثل قطر سوف تهرع لخلق مثل تلك التركيبة وسوف تعتمد طبعاً على خبراء من أجل انجاز ذلك الهدف.

مشكلة واقع الخبرة

وتتمثل المشكلة في أن درجة كبيرة من الخبرة ليست متاحة – بعكس الحال مع السياسة – للجدال العام والعلني، وهذه الخبرة التي تولد في غرف الأصداء تميل الى الاعتماد على افتراضات جلية: لا يوجد بديل وهذا هو وضع وشأن العالم. وفي أغلب الأحيان يتبين أن العالم هو شيء مختلف، ولكن بحلول ذلك الوقت يكون الخبير قد انتقل الى شيء آخر يقول في العادة إن ثمة خطأ ما في الأمر.

وقبل وقت طويل من ملاحظتهم لإفريقيا صرح الخبراء بأن الهند كانت في طريقها الى الصعود – وبحسب حكمة اليوم فإن ثورة تصنيع سوف تضع الهند على قدم المساواة مع الصين، وحصلت الفكرة على قدر قليل من الاهتمام المتعلق بأن الهند ربما كانت تواجه ما يدعوه الاقتصادي داني رودريك «عدم التصنيع السابق لأوانه»، حيث تفقد وظائف التصنيع بسبب الأتمتة والعوامل الاخرى قبل أن يتم حتى بناء المعامل، أو أن البطالة في إفريقيا وأميركا اللاتينية والنمو الاقتصادي غير المتوازن الى حد كبير سوف يمهد الأرض الخصبة لسياسات ديمغرافية.

ولم يعد من الواضح تماماً اليوم ما اذا كان في وسع دولة قطر بناء اقتصاد معرفة أو انطلاق الهند ورواندا نحو رأسمالية صناعية، وعلى الرغم من ذلك سوف تستمر الحاجة الى وجود خبراء في ميادين صنع القرار وتكوين الرأي.

محرر الشؤون الإفريقية في «فايننشال تايمز» ديفيد بيلنغ يرى أن الشيء الوحيد الذي نعرفه عن الدول الإفريقية هو أننا لا نعرف كثيراً عنها
back to top