عبر نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أكبر أزمات الربع الأخير من العام الحالي، بعدما حصل على قرض صندوق النقد الدولي لإنقاذ الاقتصاد المتداعي، في وقت نجح فيه النظام في احتواء الآثار الاجتماعية للقرارات الاقتصادية القاسية التي اتخذت أخيرا، إذ جاءت المشاركة محدودة في تظاهرات «جمعة الغلابة»، رغم تبني جماعة «الإخوان» لها، كاشفة عن انهيار الأخيرة تنظيميا وشعبيا من ناحية، وقدرة النظام السياسي على احتواء التململ الشعبي من القرارات الاقتصادية التي شملت تعويما للجنيه ورفعا لأسعار المحروقات من جهة ثانية.

فقد اقتصرت التظاهرات على أنصار جماعة «الإخوان» المصنفة إرهابية في مصر، وجاءت في بعض قرى محافظات الجيزة وبني سويف وكفر الشيخ والشرقية، ولم يتجاوز عدد المشاركين في التظاهرات بضع مئات في دولة يقترب عدد سكانها من 100 مليون نسمة، ما عد فشلا ذريعا لجماعة «الإخوان»، التي لم تستطع استغلال ظروف مواتية لتدشين حراك سياسي ضد نظام الرئيس السيسي، الذي شارك عندما كان وزيرا للدفاع قوى وطنية وتظاهرات شعبية في إطاحة نظام محمد مرسي مطلع يوليو 2013.

Ad

وتعاملت قوات الأمن مع التظاهرات المحدودة باستخدام قنابل الغاز المسيلة للدموع، وإلقاء القبض على بعض المتظاهرين، فيما لم تشارك أي قوى ثورية أو شبابية أو حزبية، في ظل مقاطعة التيارات الليبرالية واليسارية والناصرية للتظاهرات.

وقد استبقت وزارة الداخلية المصرية التظاهرات باستعدادات أمنية مكثفة، فطوقت قوات الأمن مداخل محافظات إقليم العاصمة المصرية (القاهرة والجيزة والقليوبية)، عبر نشر الأكمنة والتمركزات الأمنية الثابتة والمتحركة على تلك المداخل، للحيلولة دون تمكن العناصر «الإرهابية» من التسلل والاندساس وسط أي مسيرة لإحداث حالة من الفوضى، واستثمارها في خلق حالة من الصدام بين المواطنين وأجهزة الأمن.

ميادين خالية

وشهد ميدان التحرير، أيقونة الثورة المصرية، إجراءات أمنية مكثفة، وتمركز تشكيل أمن مركزي في المدخل الشمالي للميدان قريبا من المتحف المصري، بينما تمركز تشكيل أمن مركزي جنوبي الميدان عند مدخل شارعي محمد محمود وقصر العيني، فيما تم إغلاق محطة مترو التحرير «أنور السادات»، لأسباب أمنية، وتم الدفع بتشكيلين من الأمن المركزي ومدرعتي شرطة إلى ميدان عبدالمنعم رياض، غير البعيد عن «التحرير»، بينما كثفت القوات من وجودها في محيط ميدان الشهيد هشام بركات (رابعة العدوية سابقا).

وانتشر خبراء مفرقعات بالقاهرة والجيزة، وسط عمليات تمشيط وفحص لمحيط الكنائس والوزارات والسفارات الأجنبية والمنشآت الشرطية، تحسبا لوجود أي أجسام غريبة، وحضر رجال المرور مع أجهزة الأمن خلال فحص السيارات المنتظرة في أماكن غير مخصصة لذلك، كما شهدت الطرق الرئيسة في محافظتي القاهرة والجيزة، صباح أمس حالة من السيولة المرورية، وسط وجود لرجال المرور، وغياب المواطنين عن الميادين الخالية.

وأعلنت «الداخلية» المصرية إحباط تحركات لجماعات تكفيرية بهدف إشاعة الفوضى، أمس، عبر مصادرة أسلحة وذخيرة كانت مخبأة في منزل في محافظة الفيوم (جنوب غربي القاهرة)، غداة مداهمة قوات الأمن لخمسة أوكار لتصنيع المتفجرات في أنحاء متفرقة من البلاد، الأربعاء الماضي، واتهمت السلطات المصرية جماعة «الإخوان» وجماعات إسلامية متشددة بالسعي لتنفيذ هجمات بالتزامن مع التظاهرات.

من جهته، نفى مساعد وزير الداخلية للإعلام، اللواء طارق عطية، ما تردد حول فرض حظر التجوال في الشارع المصري، مؤكدا أنه لا صحة لما تردد حول هذا الأمر، ولافتا إلى أن ما تردد في هذا الشأن ما هي إلا شائعات الهدف منها إثارة البلبلة، مؤكدا أن قوات الأمن مستعدة لتأمين الشارع المصري في أي وقت، ومضيفاً: «نراهن على وعي هذا الشعب العظيم».

ورأي مساعد وزير الداخلية الأسبق، اللواء محمد نورالدين، أن الخطة الأمنية المحكمة التي وضعتها وزارة الداخلية بالتعاون مع القوات المسلحة لتأمين المواطنين والمنشآت الحيوية، نجحت في إحباط وإفشال أي تحركات لجماعة «الإخوان»، مضيفا لـ «الجريدة»: «وعي الناس في الشارع بأن الإخوان يريدون استخدام المصريين لتحقيق أهدافهم عبر بث الفوضى والعنف في الشارع، أحبط هذه التحركات في مهدها».

مقتل تكفيريين

وفي سيناء، التي تتمركز فيها جماعات تكفيرية مسلحة دأبت على مهاجمة قوات الجيش والشرطة منذ إطاحة نظام محمد مرسي، أعلنت القوات المسلحة استشهاد مجند وإصابة رقيب من قوات الجيش في إطلاق نار على كمين أمني بمنطقة الماسورة في رفح، بينما قتل 9 من العناصر التكفيرية، خلال حملات الجيش الثاني الميداني المدعومة بعناصر من الشرطة، في إطار عملية «حق الشهيد» لإحكام السيطرة الأمنية على قرى شمال سيناء.

قرض الصندوق

وحصل نظام الرئيس السيسي، الذي تولى الحكم في يونيو 2014، على قبلة دولية لإنقاذ الاقتصاد المصري المتداعي، إذ كشف مصدر حكومي مسؤول لـ «الجريدة»، أن مصر حسمت قرض صندوق النقد الدولي بشكل نهائي، وأن الصندوق راجع ملف مصر التي أرسلته، والذي يتضمن الإصلاحات الأخيرة التي قامت بها القاهرة أخيرا، وتضمنت تعويم الجنيه ورفع أسعار المحروقات.

وأضاف المصدر الذي طلب عدم نشر اسمه، أن مسؤولي الصندوق سيوقعون على إرسال الدفعة الأولى من قيمة القرض المقدرة بـ 2.75 مليار دولار خلال ساعات، على أن تتسلم القاهرة الدفعة الثانية خلال خمسة أشهر بقيمة 1.3 مليار دولار، وسيتم تقسيم قيمة القرض الإجمالية المقدرة بـ 12 مليار دولار على 3 سنوات، كاشفا اشتراط الصندوق عدم استخدام أموال القرض في سد عجز الموازنة أو دعم الاحتياطي النقدي المصري.

وبينما قال البنك المركزي المصري إنه أبرم اتفاق تمويل تبلغ قيمته ملياري دولار مع بنوك أجنبية، بهدف دعم الاحتياطي النقدي، تصاعدت مخاوف من زيادة معدل اقتراض النظام المصري الخارجي، ما عبر عنه الخبير الاقتصادي شريف دلاور، قائلا لـ «الجريدة»: «إن المحك الحقيقي هو مدى قدرة الحكومة المصرية على استخدام هذه المليارات في تنشيط الاقتصاد المصري ورفع كفاءته التصديرية، لأنه في حال فشل برنامج الحكومة الاقتصادي، ستكون النتيجة زيادة ديون البلاد الخارجية دون قدرة على السداد».