فجر غياب المصريين عن الميادين في جمعة «ثورة الغلابة»، الكثير من الأسئلة حول عزوف الغالبية المطلقة من الشعب المصري عن الاحتجاج، تعبيرا لرفضهم القرارات الاقتصادية القاسية التي اتخذها نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي مطلع الشهر الجاري، وأدت إلى تآكل دخل غالبية المصريين، وشعورهم بتحملهم وحدهم كلفة القرارات في ظل انحياز النظام للطبقات الغنية، وهي أسباب توفر مادة البارود الجاهز لاستقبال عود ثقاب يشعل غضب الثورة.

خرج المصريون في تظاهرات حاشدة في 25 يناير 2011، كللت بعد 18 يوما بإنهاء نظام الرئيس حسني مبارك، ثم كرر المصريون تظاهراتهم في 30 يونيو 2013، التي أطاحت الرئيس محمد مرسي، ورغم تشابه الظروف الحالية مع أسباب الثورتين السابقتين، فإن تجاهل المصريين جاء مثيرا لدهشة بعض المراقبين، الذين راهنوا على ثورة مصرية ثالثة في أقل من 6 سنوات.

Ad

رفض المصريين، الواضح لكل من تجول في ميادين العاصمة المصرية الخالية من البشر، أمس، جعل علامات الاستفهام تتصاعد حول سبب هذا العزوف، لكن يبدو أن المصريين على إدراك كامل بأنه لا بديل سياسيا جاهز حال الإطاحة بالسيسي، في ظل رفض القطاع الأكبر من الشعب لعودة جماعة «الإخوان»، وهي التي قادت تظاهرات الأمس، إلى المشهد السياسي مرة أخرى.

القيادي بحزب «التحالف الشعبي الاشتراكي»، عبدالغفار شكر، قال لـ «الجريدة»، إن المواطن العادي تخوف من حدوث اضطرابات تزيد الوضع الاقتصادي سوءا، الأمر الذي جعله يعطي أولوية لتحسين أوضاعه المعيشية، كما أن الأحزاب وخاصة الممثلة في البرلمان ترى أن الضغط على الحكومة، وإجبارها على تبني برامج عدالة اجتماعية، أفضل من التظاهر»، مشددا على رفض غالبية المصريين لفكرة التحالف مع الإخوان في تحرك على الأرض، بعدما أثبتت التجارب أن الجماعة لا تفكر إلا في مصلحتها فقط.

وذهب الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، كمال حبيب، إلى أن عدم تجاوب الشعب مع دعوات التظاهر، سواء كانت من الإخوان أو من غيرهم، سببه حالة الإنهاك والاستنزاف التي تعرض لها المواطن على مدار السنوات الخمس الماضية، فضلا عن عدم وجود تنظيم شعبي يقود التظاهرات كالقيادات العمالية أو النقابية، وغياب البديل السياسي حال خروج نظام السيسي من الحكم.

وأرجع أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية بالقاهرة، سعيد صادق، عدم خروج المواطنين للتظاهر إلى أن «غالبية المصريين لم يشعروا بأي تحسن بعد ثورتي يناير ويونيو، فماذا يدفعهم للمشاركة في ثورة ثالثة؟» وتابع لـ «الجريدة»: «الجميع أدرك أن دعوة الإخوان للتظاهر بهدف استغلالها للوصول إلى الحكم وليس لمصلحة الشعب»، وشدد على أن الشعب المصري بتجاهله المتعمد لدعوات التظاهر هو في واقع الأمر أسقط جماعة الإخوان للمرة الثانية».