حسين ماضي أحد أهم الرسامين التشكيليين في العالم العربي، ولد في بلدة شبعا في جنوب لبنان عام 1938، ودرس الرسم والنحت في بيروت ومن ثم في روما. بين 1973 و1986 درّس الرسم والنحت في الجامعة اللبنانية، ونال عام 1965 الجائزة الأولى في صالون الخريف في متحف سرسق. تولى بين 1982 و1992 رئاسة الجمعية اللبنانية للرسم والنحت. وشارك عام 1984 في بيينال الكويت، وفي البيينال العالمي الثالث والعشرين في ساو باولو البرازيل (1996). كذلك له كتاب (The Art of Madi (2004 صدر عن دار «الساقي». منذ 1965 نظّم معارض فردية وشارك في معارض جماعية في أوروبا والشرق الأوسط. أقام معرضين في الكويت: الأول في 2011 في دار الفنون ويتضمّن مجموعة من منحوتاته، والثاني في 2013 ويتضمن مجموعة من لوحاته التجريدية.
عندما يدخل حسين ماضي في لحظة إبداع عمل فني لا يكون هدفه عرض عمله أمام الجمهور بل كل ما يتوخاه أن ترى أفكاره النور عبر المادة التي يطوّعها لتنساب على المسطّح الأبيض أمامه. عاشق أبدي للطبيعة التي تسكن عقله وفي وجدانه، لطالما وقف عاجزاً متسائلاً عن مداها اللامحدود، عن قدرة الخالق مبدع هذا الكون، وهو عندما ينغمس فيه يجد نفسه في متاهة من الأشكال الغنية التي تجعل الإنسان كائناً صغيراً ساعياً إلى اكتناه سرّ ما يحيط به من جماليات مرسومة بشكل هندسي واضح من نواحي الألوان والأشكال، وتصبح مصدر إلهامه الوحيد.في الطبيعة لا مجال للفوضى التي تميّز طبائع الناس، وهذه الطبيعة بالذات تضفي لدى حسين ماضي شعوراً بالحماسة للعمل الذي لم يخبُ لحظة طوال مسيرته الفنية، فهو عندما يمسك بالريشة أو بالإزميل تجتاحه مشاعر مختلفة أبرزها توقه إلى التعلّم، التعلّم من الزهرة، والعشب، من هذا التكوين الهندسي الرائع، مبتكراً من ذلك كله منهجه في الحياة وفي العمل، فهو دائم التأمل في الطبيعة، حيث لكل عنصر مكانه ودوره المرسوم له. النحت هو بناء تكوين، والبناء هذا عبارة عن مجموعة مسطحات تشكّل أحجاماً، إذا لم يدرك الرسام مهنة التخطيط لا يستطيع أن يكون نحاتاً، ومعظم الفنانين الكبار، عبر التاريخ، مارسوا الرسم والنحت معاً لأنهما يكملان بعضهما بعضاً. لكن نجد فنانين ملونين مبدعين لا أعمال نحتية كثيرة لديهم، ونحاتين مهمين لم ينغمسوا في التلوين. في المقابل، ثمة فنانون عملوا في المجالين بالزخم والعطاء نفسيهما، وهذا عائد ليس إلى إرادة الفنان، بل إلى الموهبة في مجال الفن التشكيلي.
تناغم موسيقي
للموسيقى مكانة في لوحات حسين ماضي يشعر بها الرائي من خلال تناغم الألون والخطوط، فالفنان مستمع دائم إلى الغناء والموسيقى ويشارك في حوارات ونقاشات حول الموسيقى ويركّز فيها لأنه من خلالها يبتكر مساحات للصوت وللصمت، ما يساعده في لحظة إبداعه أو ولادة فكرته على اللوحة أمامه. يعرف حسين ماضي تماماً كيف يتحكّم بالخط واللون، فهو يرسم خطاً واحداً ومن ثم مجموعة من الخطوط، ويعيد رسم الخطوط مرات قد تصل إلى مئات بل آلاف المرات إلى أن يصبح الخط رمزاً لما يعتمل في داخل نفسه من مشاعر وأحاسيس. لا شك في أن ذلك يتطلّب جرأة بالطبع وطول أناة، وهو ما يتوافر لدى حسين ماضي الذي يهندس لوحته على وقع قوانين الطبيعة من دون أن ينسى قوانينه هو بالذات التي سنّها بعد إقامة حوار طويل جداً مع عناصر التأليف في اللوحة، أسفر في السنوات الأخيرة أعمالاً تنبض بزخم وبحياة، فالطبيعة تتأنسن والشخصيات في اللوحات تزداد شفافية، ذلك كله من خلال انعكاس النور الذي تتسم به الطبيعة اللبنانية على اللوحات. حضور الآخر في لوحات حسين ماضي، يتراوح بين الحضور والغياب، فهذا أمر تفاعلي، بقدر ما يقبل الآخر ويتقبله هذا الآخر، بالقدر نفسه يظهر الآخر في لوحاته. ليس ذلك قلة احترام للآخر بل تقنين لحماية نفسه، وليستطيع ممارسة مهنته، إذ من الصعب أن يجد أناساً يقبلون حضوره ويقبلون غيابه وهو حاضر. يستمر المعرض لغاية 30 ديسمبر 2016