المذكرة التفسيرية المفترى عليها:

Ad

بدون مقدمات وحرصا على وقت القراء وحيز المقال فقد وردت في الدستور نصوص هي المواد 56 و80 و82 من الدستور، واضحة الدلالة على المعنى المقصود من أحكامها التالية:

• تأليف مجلس الأمة بطريق الانتخاب العام.

• أن يكون عضو مجلس الأمة كويتي الجنسية بصفة أصلية.

• أن يكون تعيين الوزراء من أعضاء مجلس الأمة ومن غيرهم.

• يعتبر الوزراء غير المنتخبين بمجلس الأمة أعضاء في هذا المجلس بحكم وظائفهم.

وبذلك يعتبر تأويلا لهذه الأحكام بما لا يحتمله تفسير النصوص سالفة الذكر، أن يقال إن هناك حظرا مفروضا على أبناء الأسرة الحاكمة في الترشح للانتخابات البرلمانية، وإن هذا الحظر مستمد من عبارات وردت في المذكرة التفسيرية للدستور تقول بأن: "تعيين أبناء الأسرة الحاكمة وزراء هو الطريق الوحيد لمشاركتهم في الحكم".

ما الذي قالته المذكرة التفسيرية؟

قالت المذكرة التفسيرية في سياق تفسيرها للحكم الذي تنص عليه الفقرة الثانية من المادة 56 من الدستور بأن: "يكون تعيين الوزراء من أعضاء مجلس الأمة ومن غيرهم".

قالت ما يلي:

1- أن "يكون التعيين وجوبا من الفئتين" أي من داخل المجلس وخارجه.

ولم يكن ذلك إلا تبريرا للخروج على القاعدة البرلمانية التي أوردتها المذكرة والتي توجب أن يختار الوزراء من بين أعضاء البرلمان، ومن ثم تمنع تعيين وزراء من خارج البرلمان.

إلى جانب التبريرات الأخرى وهي:

• ظروف الملاءمة ومراعاة واقع الكويت.

• سد حاجة البلاد من الوزراء اللازمين لحمل أعباء الدولة في هذه المرحلة التاريخية من حياتها.

• ضرورة احتفاظ المجلس كذلك بعدد كاف من الأعضاء القادرين على أداء رسالة هذا المجلس ولجانه المتعددة، مراعاة لتلك الحقيقة الحتمية، وهي قلة عدد أعضاء مجلس الأمة (وهم خمسون عضوا) تبعا لعدد السكان، مما قد يتعذر معه العدد الكافي من بين هؤلاء، بما يقطع بأن هذا المبرر، كان لمرحلة تاريخية من حياة الكويت، حيث تقرن المذكرة هذا الحكم بمرحلة استهلال الحياة البرلمانية في بداية الستينيات.

وهو ما جعل المذكرة تستدرك وتقول:

• وقد ترك الدستور الأمر لتقدير رئيس الدولة في ظل التقاليد البرلمانية التي توجب أن يكون الوزراء قدر المستطاع من أعضاء مجلس الأمة.

• ومقتضى ذلك– كما سبق- التوسع قدر المستطاع في جعل التعيين من داخل مجلس الأمة.

جواز تعيين أعضاء الأسرة الحاكمة من خارج مجلس الأمة:

وقد ورد في المذكرة التفسيرية تبرير للخروج على: ما تتضمنه الدساتير الملكية عادة من نص على أن: لا يلي الوزارة أحد أعضاء البيت المالك أو أحد من الأسرة المالكة. باعتباره تفسيرا للحكم الوارد في النص الدستوري الخاص بالتعيين من خارج المجلس، والذي جاء عاما ومطلقا، والأصل في الحكم العام أن يسري على عمومه، وفي الحكم المطلق أن يجري على إطلاقه، فيشمل حكم النص أبناء الأسرة الحاكمة وغيرهم من الكويتيين بصفة أصلية لا بوصفه حكما مستحدثا في المذكرة.

وأضافت المذكرة: ويشفع لهذا الاستثناء في أسلوب الحكم البرلماني بالنسبة إلى الكويت بصفة خاصة كون الأسرة الحاكمة من صميم الشعب تحس بإحساسه ولا تعيش في معزل عنه.

وهو ما استهلت به المذكرة التفسيرية للدستور عندما قررت وبالحرف الواحد: "ولقد تلاقت هذه الأضواء وتلك المعاني عند أصل جوهري في بناء العهد الجديد، قام بمنزلة العمود الفقري لهذا الدستور، وهو الحفاظ على وحدة الوطن واستقراره، فقد امتاز الناس في هذا البلد عبر القرون بروح الأسرة تربط بينهم كافة، حكاماً ومحكومين".

بل كون الأسرة من صميم الشعب هو الذي دفع الدستور إلى: ابتداع فكرة لا تخفى أهميتها كما قالت المذكرة التفسيرية، هي ما نصت عليه المادة (80) من أن "يعتبر الوزراء غير المنتخبين بمجلس الأمة أعضاء في هذا المجلس بحكم وظائفهم"، كما قالت المذكرة التفسيرية "برغم عدم مجاراتها لكمال شعبية المجالس النيابية".

وكان ذلك كله تعبيرا عن رفض الدستور لهذا الحظر الذي تنص عليه الدساتير الملكية.

الطريق الوحيد لمشاركتهم في الحكم:

وقد وردت هذه العبارة من بين مبررات أخرى كثيرة وردت في سياق تبرير "تعيين أعضاء الأسرة الحاكمة وزراء من خارج مجلس الأمة"، باعتباره الطريق الوحيد لمشاركتهم في الحكم نظرا لما هو معروف من عدم جواز ترشيح أنفسهم في الانتخابات حرصا على حرية هذه الانتخابات من جهة، ونأيا بالأسرة الحاكمة عن التجريح السياسي، التي قلما تتجرد منه المعارك الانتخابية من جهة ثانية".

وقد كانت هذه القالة في سياق التقريرات التاريخية عن الدساتير الملكية، فلا تنهض سندا لحرمان أبناء الأسرة الحاكمة من ترشيح أنفسهم للانتخابات، وهم كويتيون بصفة أصلية، خاصة أن ما ورد من أسباب في هذه القالة حول التجريح السياسي، لا يتفق والمجتمع الكويتي، مجتمع الأسرة الواحدة الذي يرفض التنابز بالألفاظ أو التجريج السياسي في المعارك الانتخابية، وقد أصبح ذلك عرفا انتخابيا على مدار نصف قرن جرت فيه الانتخابات البرلمانية في الكويت.

وإن المذكرة التفسيرية ذاتها قد اعترفت بما قد يتعرض له رئيس مجلس الوزراء والوزراء من تجريح سياسي عندما قالت: "إن تجريح الوزير، أو رئيس مجلس الوزراء، بمناسبة بحث موضوع عدم الثقة أو عدم التعاون، كفيل بإحراجه والدفع به إلى الاستقالة، إذا ما استند هذا التجريح إلى حقائق دامغة وأسباب قوية تتردد أصداؤها في الرأي العام،

أما قالة إن خوض أبناء الأسرة الحاكمة للانتخابات قد يتعارض مع ضمان حرية الانتخاب فإن ضمانها هو في تنامي الوعي العام لدى المواطنين عبر انتخابات برلمانية، يشهد لها الجميع بالنزاهة والحرية في الأغلب الأعم منها خلال نصف قرن مضى، رغم بعض السلبيات.

حقائق دستورية أخرى ترفض هذا الحظر

ولعل ما يؤكد أن العبارات التي وردت في المذكرة التفسيرية للدستور والتي استخلص منها الحظر السابق، هي عبارات انتزعت من سياقها في حوار راق في لجنة الدستور والمجلس التأسيسي دبجته المذكرة التفسيرية للدستور.

1- إن الحوار المذكور ولم يكن حول المادتين 80 و82 اللتين تنص أولاهما على حق الاقتراع العام، وتنص ثانيتهما على شروط العضوية في مجلس الأمة، واللتين يقع الحظر المزعوم في حومة مخالفتهما بل كان حوارا حول نص الفقرة الثانية من المادة (56) القاضي بأن: "يكون تعيين الوزراء من أعضاء مجلس الأمة ومن غيرهم".

وهو نص منبتّ الصلة بهذا الحظر.

2- إذا كان من المستقر أن الحقوق الدستورية، ومنها حق الاقتراع العام وحق الترشح، لا يجوز للقانون الذي تقره السلطة التشريعية ويصدق عليه الأمير أن ينتقص منها أو يفرض حظرا عليها، فإن حق الترشح من باب أولى لا يجوز أن يكون رهنا بإرادة رئيس الدولة وحده.

فقد يرى صاحب السمو الأمير، في مرحلة ما من المسار الديمقراطي استجابة للتقاليد البرلمانية، التي توجب التوسع قدر المستطاع في جعل التعيين من داخل مجلس الأمة، أن يكون اختيار الوزراء من أعضاء الأسرة الحاكمة الذين يرشحون أنفسهم للانتخابات ويفوزون أيضا بثقة الأمة فضلا عن ثقة صاحب السمو.

3- إن قالة المذكرة التفسيرية "جواز تعيين أعضاء الأسرة الحاكمة وزراء من خارج مجلس الأمة" يعني أن هناك أعضاء من هذه الأسرة أعضاء في المجلس بالانتخاب.

4- إن القائلين بهذا الحظر قد اختلفوا في تحديد نطاق الأسرة الحاكمة الذي يسري عليها الحظر، فمنهم من قصره على ذرية المغفور له مبارك الصباح، استهداء بحكم المادة (4) من الدستور التي تجعل الكويت إمارة وراثية في ذرية المغفور له مبارك الصباح، ومنهم من رأى أن الحظر يشمل جميع أبناء الأسرة.

وعلى العموم فإنه لا يجوز إهدار الحقوق الدستورية لفئة من الفئات، بسبب اختيار وزير أو أكثر منها، فيصبح لدينا وزير آخر محلل من الأسرة الحاكمة، لابتناء هذا الحظر عليه.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.