ألحقت الانتخابات الأميركية وفوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب الأذى والتجريح بالديمقراطية مفهوما وممارسة، إلى الدرجة التي يصح معها القول بأنها لم تعد تشهد أزهى أوقاتها، ولئن كانت الشرور التي تعانيها المجتمعات الديمقراطية أسهمت على نحو وآخر بذلك إلا أن المرء المؤمن بالديمقراطية وبالفكرة القائلة إن الديمقراطية تتيح لأفراد المجتمعات إمكانية السيطرة بدرجة كبيرة على قدرهم في هذا العالم الهائج والمضطرب بات مشككاً في صحة إيمانه هذا.

والحال أن ثمة من يعتنق جهارا الرأي القائل إن الديمقراطية تحمل على كاهليها وزر الكثير من المصائب، وحجة هذا الرهط ممن لا يستقر في نفوسهم ود كبير للديمقراطية، أنها أخفقت مرارا وتكرارا في تشكيل العالم الذي يطمح إليه الإنسان، وكانت لها اليد الطولى، فضلا عن ذلك، في قيام أكبر إمبراطوريتين للكراهية، الاشتراكية والنازية.

Ad

لكن المأزق الثابت دائما في الحالة الديمقراطية، ومجتمعنا الكويتي في عداده، أن الأفراد منقسمون حول طبيعة ونوع العالم الذي يرغبون في العيش فيه، ولا يسعفنا كثيرا ترديد الشعار القائل إن الديمقراطية هي آلية لإدارة هذه الاختلافات، وإن قوتها تتأتى من حقيقة كونها الآلية الوحيدة المتوافرة لصناعة العالم الذي نعيش فيه، وإنها في طبيعتها تمنح الأفراد الاستقلالية التي تجعلهم قادرين على تقرير مصيرهم.

والتسليم بما سبق ينطوي على مغامرة غير مأمونة العواقب، ذاك أن الديمقراطية لا تتوهج وتتبدى في كامل نضارتها إلا حينما يكون هناك وصف دقيق لما يسمى بالخير العام الذي يطلبه أفراد المجتمع لأنفسهم، فهذا شرط مسبق لنفث الروح في الجسم الديمقراطي، فالممارسة الديمقراطية، وبخاصة تلك التي تتسم بأنها ديمقراطية مباشرة على المستوى المحلي الأصغر، كالتي يحتكم إليها المجتمع الكويتي، هي في الجوهر تدمر بكفاءة عالية التجلي الأكبر للديمقراطية من حيث كونها تسعى إلى خلق توازن دقيق بين المتطلبات والاختلافات المجتمعية التي يعارض بعضها بعضا. وذلك السبب الوحيد في بقاء الوجوه السياسية نفسها مع تبدل أسمائها منذ أمد طويل، تماما كرائعة غابرييل غارسيا ماركيز "خريف البطريرك"، تتحول السياسة إلى ألبوم عائلي يعيد نفسه المرة تلو الأخرى للشخص نفسه عبر الزمان.