انتصار ترامب يؤدي إلى عدم استقرار خطير
أصبح المستبعَد واقعاً، لقد نجح ترامب وبرهن خطأ كل الخبراء، وتحولت كل التوقعات الأكيدة المزعومة عن استحالة وصوله إلى سدة الرئاسة الأميركية إلى مجرد سخافات، وسيتولى رجل يهين الأجانب، والنساء، والمعوّقين، وينادي بالكراهية، ويندد بشركاء الولايات المتحدة الأكثر أهمية، إدارة الدولة الأقوى في العالم، يا لها من كارثة سياسية!انتصرت الشعبوية الخام على المنطق، إذ يشكّل فوز ترامب صدمة لكل مَن عوّلوا على حكمة الناخبين الأميركيين السياسية، وعد ثري قطاع العقارات هذا الأميركيين بتغيير سياسي جذري، فصدقت الغالبية (وإن كانت ضئيلة) وعوده هذه، واختار الناخبون الأميركيون التغيير، مع أن لا أحد منهم يعرف ما الشكل الذي سيتخذه، ولكن بالنظر إلى تصريحات ترامب التي تعكس خوفه من المسلمين ومشاعره القومية المثقلة بالكراهية خلال الحملة الانتخابية، يمكننا أن نكون متأكدين من مسألة واحدة فقط: لن يكون هذا التغيير جيداً.سجّل ترامب النقاط بتبنيه شعارات مليئة بالكراهية مناهضة لما يُدعى المؤسسة السياسية ووسائل الإعلام، وهكذا نجح في استمالة الطبقة الوسطى البيضاء التي زعزعتها العولمة. كان شعار حملته "أنا وحدي أستطيع إصلاح الوضع"، لكن هذه عبارة متعجرفة ووعد فارغ، فالأكيد أن ترامب وحده لن يتمكن من حل المشاكل التي تواجهها الولايات المتحدة أو اضطرابات العالم البالغ التعقيد، ومن يصدقون أنه قد ينجح في ذلك يتحملون وحدهم نتيجة خطأهم هذا.
على الرئيس الذي يرغب في جعل حياة مواطنيه أفضل وأكثر أماناً أن يسعى إلى المصالحة والتحاور مع دول وثقافات أخرى، ويحتاج إلى شركاء، ولكن لا يبدو ترامب مهتماً بكل هذا، على العكس يبدو شخصاً مدمِّراً يزرع الشقاق، وإذا تأملنا سيرته الذاتية وحملته الانتخابية، نلاحظ أنه لا يأبه بالحلول البناءة ولا يسعى وراء المصالحة، بل يريد أن يفرض بأنانية وعجرفة مصالحه ومصالح داعميه القومية. نتيجة لذلك، يواجه العالم والولايات المتحدة راهناً مرحلة خطيرة من عدم الاستقرار: يريد ترامب أن يجعل الولايات المتحدة "عظيمة" مجدداً، وإذا أخذنا تصريحاته على محمل الجد، نرى أنه سيتخذ الكثير من الخطوات القاسية: يرغب في طرد 11 مليون مهاجر من البلد، ويعيد التفاوض بشأن كل الاتفاقات التجارية الكبيرة، ويرغم حلفاء مهمين مثل ألمانيا على دفع ثمن الحماية العسكرية الأميركية، لكن هذه الخطوات ستؤدي لا محالة إلى الصراع، وستشعل خصومات جديدة، وستولد أزمات طارئة.وهنا ينشأ سؤال بالغ الأهمية: هل ينجح نظام "الضبط والموازنة" الأميركي القائم بين المؤسسات في منع رجل يتحدث كحاكم مستبد من أن يحكم بالطريقة عينها؟ وهل من الممكن كبح لجام ترامب مع سيطرة الجمهوريين على الكونغرس؟تواجه الديمقراطية الأميركية اليوم امتحاناً مهماً، وعلينا أن نخشى أن يبذل ترامب قصارى جهده للقضاء على خصومه، فقد هدد الصحافيين الذين انتقدوه خلال حملته، وصاح أنصاره "اسجنها" مشيرين إلى منافسته هيلاري كلينتون، ولا شك أن خطاباً مماثلاً يخلّف أثراً بارزاً، حتى لو تبنى ترامب لهجة أكثر ميلاً إلى المصالحة في خطاب الفوز.نأمل طبعاً أن يكون النظام السياسي قوياً كفاية ليكبح لجام رئيس يملك أوهاماً استبدادية، لكن ما من ضمانات لذلك.* رولاند نيليز