في عام 2000، وإثر تشكيل حكومة نمساوية يمينية متشددة، بقيادة زعيم حزب الحرية المتطرف يورج هايدر، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية بياناً، اعتبرت فيه أن توجهات هايدر المعادية للأجانب والسامية غير مقبولة، وتشكل خطورة على أوروبا والمجتمع الدولي! بينما قاطعت 14 حكومة أوروبية في الاتحاد الأوروبي السلطة النمساوية، وخفضت مستوى التعاون معها، وبسبب تلك الضغوط الدولية استقال يورج هايدر لاحقاً من منصبه.ذلك السياسي النمساوي، الذي قتل في حادث سيارة عام 2008، لم يهاجم المسلمين بالاسم، كما فعل الرئيس المنتخب للولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب، ولم يضع أيضاً على موقعه الانتخابي الرسمي، كما فعل أيضاً ترامب، بياناً باسمه يدعو فيه إلى حظر دخول المسلمين إلى بلاده، ولم تكن له آراء عنصرية موجهة بالاسم إلى فئة معينة من شعبه، كما فعل ترامب مع الأميركيين من أصول لاتينية (الهسبانيك)، بل إن مواقف هايدر لم تتعدَ وقف الهجرة وعدم منح امتيازات للعاطلين عن العمل من المهاجرين، وهي مطالب منتشرة في النمسا، المعروف مجتمعها بالنزعات العنصرية والانعزالية والميل إلى الفكر النازي، كما هو حال محيطها في المجر ودول أخرى.
وتستغرب عندما تعرف أن منظمة "كو كلوكس كلان" العنصرية الأميركية التي بلغ عدد أعضائها من الأميركيين عام 1920 أربعة ملايين مواطن أبيض لا تختلف مبادئها كثيراً عما كان يطرحه الرئيس الأميركي الجديد من عداء للآخر المختلف عن الأميركي الأبيض، واستغلاله لخدمة مصالحه، وهي منظمة قامت في الماضي بأفعال شنيعة من صلب وحرق من تستهدفهم من الأميركيين من أصل إفريقي ومعارضيها.الأمر الصادم أن الولايات المتحدة الأميركية، ذات التراث الديمقراطي العريق، لا يوجد فيها قانون يعاقب ويقصي أي مرشح عن الانتخابات عندما يطرح طرحاً عنصرياً يستهدف ديانات بعينها، أو عرقاً محدداً، فيما الشخص العادي لو أقدم على ذلك في الشارع أو مكان العمل تتم محاكمته وعقابه بالسجن وغرامات مالية فادحة.الخلاصة أن الناخب الأميركي، وخاصة المواطن الأميركي الأبيض، صوَّت بنسب كاسحة لمصلحة الطرح المتطرف لترامب، ولم يكن ذلك لأسباب اقتصادية، إذ إن الاقتصاد الأميركي حالياً في حالة جيدة، وترامب لديه مآخذ في التزاماته المالية الوطنية، وهناك جدل واسع حول عدم تسديده لضرائبه لمدة 12 عاما، وتناقضه بشأن إلغاء اتفاقيات التجارة الدولية، في حين هو نفسه يملك مصالح تجارية ضخمة خارج الأراضي الأميركية يوظف من خلالها العديد من الأجانب.الواقع أن النزعة الشعبوية وفكر اليمين المتطرف بدأ ينتشر بين البيض من أوروبا حتى الولايات المتحدة، ويحصد مقاعد السلطة من كوبنهاغن في الدنمارك حتى البيت الأبيض في واشنطن، لعدة أسباب، من أهمها الهجرة المتزايدة إلى دول العالم الأول، وكذلك التطرف الإسلامي والحركات الجهادية التي كان للأميركيين اليد الطولى في تشجيعها لتقاتل بالنيابة عنهم الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، إضافة إلى المظالم في الشرق الأوسط التي تقوم بها إسرائيل والأنظمة الاستبدادية التي لطالما تحالفت معها أميركا.وفي ظل تلك التوجهات للناخب الأميركي والأوروبي، فإنه وكما وصف وزير العدل الألماني هيكو ماس، بعد فوز دونالد ترامب بالرئاسة، بأن العالم يتوجه إلى مزيد من الجنون والشعبوية والتطرف، وأرى أنها حقبة سيزدهر فيها فكر ومبادئ منظمة "كو كلوكس كلان"، وإن كان من يتبنى فكرها ومبادئها لا يرتدي لباسها وقناعها الأبيض التقليدي ويرفع شعارها المعروف "KKK" وهو يمارس أعماله.
أخر كلام
... إنها حقبة «كو كلوكس كلان»!
13-11-2016