بدا وكأن الجنرال العراقي البارز من قوات النخبة عبدالوهاب الساعدي، ترك شؤون المعركة وتفرغ لملء فراغ في العلاقات العامة كان يُفترض بالسياسيين ملؤه، فهو يصطحب في المعارك فريق تصوير يوثق كيف يقوم هو وجنوده باستقبال العوائل الهاربة من شوارع اللهيب والبارود، وإسعافهم بيديه أحياناً وتقاسم الأرزاق الغذائية مع الأطفال.

وتعمل «السوشيال ميديا» العراقية الموالية لبغداد على ترويج هذه الفيديوهات وصور وقصص كثيرة يتعلق معظمها بقوات ما يعرف بجهاز مكافحة الإرهاب الأبرز، لمواجهة الدعاية المضادة التي يبثها «داعش» ضد الحكومة.

Ad

ويفلح الأمر أحياناً، ويقول الأهالي (ومعظمهم سنة) إنهم يثقون بهذه القوات المحترفة، إلا أن الخشية تتعلق بالشرطة المخترقة بنحوٍ ما من الميليشيات، وكذلك من بعض قوات الحشد التي لا تزال تتقدم ببطء غرباً نحو الحدود بين سورية والموصل.

وحتى الجمعة، كان معظم العراقيين يقولون إن معركة الموصل هي الأفضل بين المعارك، لكن وسائل الإعلام تداولت فيديو يجري فيه قتل صبي يُفترض أنه من عناصر «داعش»، دهساً بالدبابة.

وأنكرت القوات العراقية أنها تقف وراء الأمر، متهمة التنظيم بـ»تمثيل» هذا المقطع، واتهم آخرون أذرعاً لإيران بأنهم فعلوا هذا لإحراج حكومة حيدر العبادي وجيشه، إلا أن الجدل حول فيديو واحد ليس مهماً لدى المعنيين بقدر تداولهم أنباء أكثر خطورة حول قيام سنة يقاتلون إلى جانب بغداد، بتصفية سنة آخرين من مناطقهم، متهمين إياهم بالوقوف مع «داعش»، مما يعني أن الموصل وضواحيها مرشحة لأن تشهد موجات انتقام بين السكان المحليين أنفسهم، على خلفية التنكيل الذي مارسه التنظيم المتطرف مستخدماً بالضرورة عناصر محليين، فضلاً عن مقاتليه الأجانب.

ويشير خبراء عراقيون في حقوق الإنسان إلى مشكلة أن بغداد لم تقم بأي محاسبة موثقة لعناصر في الجيش أو الميليشيات سبق أن ارتكبوا انتهاكات وظهروا بوجوه مكشوفة، وأحياناً بأسماء معروفة، بل إن بعض القوات تستخدم تعبيرات ورموزاً طائفية معلنة في التصريحات وعلى عربات القتال، رغم أن المرجعية العليا في النجف تطلب كل يوم أن تمتنع كل الجهات عن استخدام رمز أو راية سوى العلم الوطني.

وتلفت مصادر سياسية إلى أن العبادي عاجز عن الضبط بأكثر مما هو متاح الآن، ولأسباب العجز نفسها فإنه لم يتمكن من فتح حوار مع الفاعلين السياسيين الذين يمثلون نينوى، لأن الأجنحة الموالية لسلفه نوري المالكي ولإيران لا تزال قادرة على إيذاء حكومة بغداد وإحراجها بشتى الطرق، أثناء أكثر المعارك حساسية.

وتستطيع الصور والفيديوهات التي تصور حالات انتهاك وتصفية، أن تخرب الدعم الداخلي الكبير الذي يناله العبادي وقواته، ويمثل هذا قلقاً لدى حلفائه في واشنطن ودول التحالف، إذ يجري توجيه اللوم إليهم أحياناً لتوفيرهم الدعم لفصائل متورطة في الانتهاكات.

وعبثاً يحاول مؤيدو الجيش، وبينهم شريحة سنية ذات شأن، القول بأن ما يحصل هو حالات فردية، لأن الأمر يتعلق بأيام أكثر صعوبة ستأتي ومعارك أشد شراسة داخل عمق مدينة الموصل الذي لم تبلغه القوات بعد، إلا إذا قرر «داعش» أن يوقف القتال منسحباً، ليخفف ويلات الحرب وموجات الانتقام المتوقعة، التي قد تأتي أيضاً من فصائل تمثل المسيحيين وباقي الديانات التي عرفت بكونها مسالمة تقليدياً، غير أن نساءها تعرضن الى السبي على يد «داعش»، ومن غير المتوقع أن يمر ذلك مرور الكرام.