التشكيلي اللبناني يونس كجك: أرسم معاناة المهاجرين العرب

معرضه الجديد في بيروت تحية وفاء للجيش اللبناني

نشر في 15-11-2016
آخر تحديث 15-11-2016 | 00:00
بعد معرضه الفردي السابع {إيقاعات تكعيبية} في قصر {اليونسكو} في بيروت (2015) برعاية وزارة الثقافة اللبنانية، وتضمّن طوابع بريدية لكبار الشخصيات الفنية والثقافية اللبنانية وأعاد فيه إحياء المدرسة التكعيبية في لبنان، يعرض الرسام التشكيلي اللبناني والنحات يونس كجك مجموعة من لوحاته في لفتة تكريمية للجيش اللبناني بين 17 و20 نوفمبر الجاري، فضلاً عن مجموعة من الطوابع البريدية لقادة الجيش اللبناني.
مسيرة يونس كجك التشكيلية، لا تقتصر على ابتكاره خطاً خاصاً به فحسب، بل تجمع المدارس التشكيلية والتيارات انطلاقاً من المدرسة الكلاسيكية وصولا إلى التكعيبية والتعبيرية، مرتكزاً في ذلك كله على الثقافة التي اكتسبها من قضائه سنوات متنقلاً بين متاحف باريس وتوليه هذه السنة منصب مدون في قسم الأرشيف في متحف أورسي في باريس.

لماذا اخترت أن يكون معرضك الجديد تحية وفاء للجيش اللبناني وللأرض؟

لأن الجيش اللبناني لا ينفك يقدّم التضحيات والشهداء ذوداً عن الوطن والأرض وحماية لأهله، وهو في السنوات الأخيرة يقف سداً منيعاً في وجه الإرهاب ويمنعه من التسلل داخل الحدود اللبنانية ويستبسل في الحفاظ على الاستقرار وتوفير الأمن للمواطنين.

يتضمّن المعرض 16 لوحة بين مائية وزيتية، يندرج بعضها ضمن المدرسة الكلاسيكية والبعض الآخر ضمن التيار التكعيبي، بعدما أخذت على عاتقي مهمة إحيائه في لبنان. وهو الثالث لي المتمحور حول الجيش اللبناني. تضمن المعرض الأول أعمالاً أنجزتها بالأسلحة الفارغة ضمن تقنية التركيب، والثاني أنجزت فيه طوابع بريدية لآخر خمسة قادة جيش عاصرتهم: ابراهيم طنوس، ميشال عون، إميل لحود، ميشال سليمان وجان قهوجي الذي منحني شهادة تكريم.

لماذا التركيز على الفن الكلاسيكي؟

لأن جذوري متأصلة في الفن الكلاسيكي. راهناً، أنا في طور تعليم الطلاب مادة الرسم في المعهد الأنطوني في بيروت وتأسيسهم على الفن الكلاسيكي بهدف إنشاء مدرسة لبنانية معاصرة للكلاسيكية. للأسف، يشهد لبنان اليوم فوضى في المعارض وفي الرسم التشكيلي، فضلاً عن تراجع المدارس المهمة من الكلاسيكية إلى التعبيرية إلى الرمزية إلى التكعيبية، إزاء سيطرة التجريد العشوائي. الفن التجريدي مدرسة قائمة بحد ذاتها، لكنه في لبنان يستخدم كغطاء لفقدان موهبة الرسم لدى بعض الذين يطلقون على أنفسهم رسامين تشكيليين.

هنا تكمن مهمة وزارة الثقافة في لبنان في فرض رقابة على المعارض التشكيلية كي تختار الرسامين الذي يتميزون بإنتاج جدير بأن يعرض أمام الجمهور. لا يعني كلامي رغبة مني في إلغاء غيري، لكن يجب تنظيم قطاع المعارض التشكيلية حماية للمواهب وللفن الأصيل.

كيف انبثقت لديك فكرة ابتكار طوابع لشخصيات لبنانية؟

منذ ثلاث سنوات تقريباً، وأثناء وجودي في مكتب البريد في باريس عرض عليّ الموظف طابعاً عليه رسم للأمير الصغير بطل كتاب {الأمير الصغير} للكاتب الفرنسي أنطوان دو سان إكزوبري، فاشتريته فوراً وفكرت في تطبيق فكرة رسم شخصيات لبنانية ثقافية وفنية واجتماعية على طوابع بريدية. اخترت عشرة رجال وعشر نساء على غرار: صباح، فيروز، سميرة توفيق، إميلي نصرالله، ماجدة الرومي، ليلى الصلح حمادة، فريال كريم، جورجيت صايغ، أنسي الحاج، رياض شرارة وديع الصافي... ألفت هنا إلى أنني صاحب الحق الحصري في رسم شخصيات فكرية وفنية لبنانية على طوابع بريدية.

حرب وثقافة

بعيد انتهاء الحرب في لبنان تركت بيروت ويممت شطر باريس، ما الذي دفعك إلى هذا الارتحال؟

فرعي

تركت بيروت في أواسط تسعينيات القرن الماضي، في فترة كانت ورشة إعادة الإعمار بدأت وما رافقها من هدم للمباني التي خطت عليها الحرب آثاراً لا تحصى، وقد عشتها بتفاصيلها. في باريس رأيت النور الذي افتقدته في بيروت، ورحت ارتاد المتاحف فقضيت في أرجائها سنوات وسنوات، واكتسبت مهارة وعمقاً في التعامل مع الريشة واللون، لا سيما بعد الاطلاع على المدارس والتيارات الفنية المختلفة. هكذا تغيرت نظرتي إلى اللون، فأضحى في لوحاتي مشرقاً بعدما كان باهتاً في بيروت، بفعل حجب الرؤية التي فرضتها الحرب ثم غبار الهدم في وسط المدينة بهدف إعادة الإعمار.

كيف ترجمت هذه التراكمات الثقافية كافة في فنك؟

أتقنت رسم الفنون المختلفة انطلاقاً من الرسم الكلاسيكي الذي أعتبره القاعدة التي يجب أن يرتكز عليها الفنان في رسمه، مهما كان توجهه الفني، بعد ذلك دخلت في غمار المدرسة السوريالية متأثراً بسلفادور دالي التي تعتمد على اللاوعي والمسائل التي تناولها سيغموند فرويد، من ثم تعمّقت في الرسم التكعيبي، ولدي مجموعة من اللوحات من هذه المدرسة.

ميتولوجيا وطبيعة

تركّز في لوحاتك على مشاهد من الميتولوجيا، لكن من خلال نظرتك الخاصة، فكيف ترجمتها بالخط واللون؟

فرعي

كوني ابن هذه المنطقة التي كانت مهد الأساطير في العالم القديم، فلا عجب من أن أتأثر بها، إلا أنني أضفت إليها عناصر تكمّل نظرتي إلى الفن... هكذا رسمت الجسم البشري بحركة انسيابية سواء في الخطوط أو الألوان، فظهر «أورفيوس» ملقى جثة أمام قبر زوجته «ليورودس» ووضعت وردتين عليه، ويأكل النسر كبده والشعلة قربه. كذلك الأمر بالنسبة إلى لوحات: ولادة {فينوس} و{هرقل} وهو يقتل الطيور المتوحشة، و{إيلين دو تروا} التي رسمتها وسط الطبيعة اليونانية...

في لوحاتك التي يغلب عليها حضور الإنسان يسيطر الطابع الكلاسيكي والتعبيري، لماذا اعتمدت هذه الطريقة في التعبير؟

لأنها تخولني رسم انحناءة الجسم مع تكسيره، فأنا لم أرسم الإنسان بحد ذاته مجرداً من بيئته ومجتمعه، ولم أرسمه كائناً مثالاً، بل ركزت على معاناته من جراء الحروب والتهجير والمآسي، ابتداء من مأساة العراق واجتياحه وأهوال سجن أبو غريب، وانتهاء بما يحصل اليوم في دول عربية من قتل مجاني وإراقة دماء من دون توقف، كذلك ما يعانيه المهاجرون من أهوال لا سيما غرق المئات بل الآلاف منهم في البحر، والذل الذي يلاقونه في البلدان التي يهاجرون إليها.

عرضت لوحاتي هذه في دول عربية وأوروبية ولاقت ردود فعل إيجابية إذ تجاوب معها المشاهدون، خصوصاً أن الرسم التعبيري الذي أعتمده يفتح الباب واسعاً أمام قراءة اللوحة وفق قناعات المشاهد وأفكاره.

كيف أثّرت وتأثرت ببيئتك اللبنانية وبمجتمعك؟

في البداية أود أن أشير إلى أنني غصت في عمق المجتمع اللبناني وفي مشاكله ومصاعبه وتعقيداته، من خلال عملي في المجال الإعلامي وفي التعليم، وخبرت عن قرب الخوف الذي سيطر على هذا المجتمع والتفكك بسبب الحرب، والفقر الثقافي لا سيما على الصعيد الفني، وهذا أمر طبيعي في فترة كانت أصوات القذائف وحدها المسيطرة على الساحة اللبنانية، هكذا نمت أجيال همها الوحيد العمل على البقاء على قيد الحياة، وباتت الثقافة الفنية من الكماليات.

لم أستسلم للواقع بل قررت التحرر من شرنقة الخوف وسافرت إلى باريس ووسعت مداركي وثقافتي في اللون والخط وراكمت معرفة واسعة وشاملة وعدت بها إلى لبنان، وأنا في طور توظيفها لتثقيف أجيال الشباب وتنمية الروح الفنية في داخلهم وحثهم على الابتكار ليس بواسطة الكمبيوتر إنما بالريشة والخط واللون. في هذا السياق، أنطلق دائماً من تعليم الشباب الأصول الكلاسيكية واحترام التسلسل الزمني عبر الفنون. بمعنى أنني لا أدرّس الفن التجريدي قبل الكلاسيكي، لا سيما أن الرسامين الكبار بدأوا خطواتهم الفنية بالتدرج من الرسم الكلاسيكي وصولاً إلى التجريد...

للطبيعة مكانة مميزة في لوحاتك فأي طبيعة ترسم اللبنانية أم الفرنسية؟

أرسم الجمال والزهرة والعشب والنور والضوء أينما أجدها سواء في الطبيعة اللبنانية أو الفرنسية أو في أي بلد في العالم. يسود الطبيعة منطق منظم ونحن بأمسّ الحاجة إليه لنعرف كيفية التعامل مع الخطوط والألوان، فضلاً عما اكتسبته من تعاليم الأساتذة الكبار، وقد صهرتها في شخصيتي وفي رؤيتي للطبيعة وابتكرت من ذلك كله أسلوباً خاصاً جسدت فيه نظرتي كرسام وملوّن وباحث عن الجمال.

يونس كجك في سطور

الرسام التشكيلي يونس كجك حائز شهادة في العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية، حاول من خلالها فهم طبيعة الصراع السياسي في الحرب اللبنانية (1994). تابع دورات في الرسم والتصوير في المركز الثقافي الروسي في بيروت تحت إشراف الدكتور نزار ضاهر والأستاذ حسن يتيم. نال دبلوماً في الرسم الرقمي في معهد APF في باريس – فرنسا (2006). كذلك حاز شهادة ماجستير في تاريخ الفنون من مدرسة اللوفر في متحف اللوفر باريس – فرنسا (2009). وأنشأ في باريس معهد Leamisa لتعليم الرسم والتصوير (2009).

أقام معرضه الأول في المركز الثقافي الروسي في بيروت بعنوان أصابع القمر (1993) برعاية مديرية شؤون السينما والمسرح في وزارة الثقافة والتعليم العالي. وتتالت من ثم معارضه في لبنان والدول العربية وفي أوروبا. شارك في معارض جماعية عربية وعالمية بين لبنان وفرنسا ومصر وبلجيكا وألمانيا والدنمارك وهولندا وغزة.

أصدر ديوانه الشعري الأول {أصابع القمر} (2013) الذي يتمحور حول الغزليات، بالإضافة إلى الوجدانيات والمهجر.

يونس كجك عضو في جمعية الفنانين اللبنانين للرسم والنحت، وفي بيت الفنانين الفرنسيين، وفي الجمعية الدولية للرسم والفنون. شارك في مؤتمرات ولقاءات شعرية وتشكيلية في لبنان ومصر. ونال شهادة تكريم من قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي بمناسبة رسم آخر خمس قادة للجيش في لبنان بصورة طوابع بريدية فنية.

أرسم شخصيات لبنانية ثقافية وفنية واجتماعية على طوابع بريدية من بينها صباح وفيروز

قررت التحرر من شرنقة الخوف وسافرت إلى باريس ووسعت مداركي
back to top