الأماكن (3)

نشر في 15-11-2016
آخر تحديث 15-11-2016 | 00:05
 يوسف عبدالله العنيزي كم يسعدني سماع التعليقات سواء الإيجابية أو السلبية على المقالات التي أكتبها، فأحاول تجنب السلبيات والتركيز على الإيجابيات، وما لاحظته من خلال هذه التعليقات أن هناك استحساناً للمقالات التي تتحدث عن الأحداث أو الأماكن التي عملت بها أو سعدت بزيارتها، ومن خلالها نمنح أنفسنا قليلا من الراحة من حالة التوتر المستمر الذي نعانيه نتيجة الأحداث، سواء الداخلية أو الخارجية.

هناك مكان زرته وأنا على يقين أن هناك الملايين يتمنون زيارته، والقيام بمثل هذه التجربة التي قمت بها، فقد كتبت عن هذا المكان من قبل، ولكن نظراً لما له من مكانة في نفسي ووجداني فإنه يسعدني أن أكتب مرة أخرى هذه الخاطرة:

في الفترة بين 1974 و1977 عملت في سفارة دولة الكويت في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، وذلك قبل نقل السفارات إلى مدينة الرياض العاصمة، وكان يرأس البعثة الدبلوماسية في ذلك الوقت المغفور له بإذن الله الشيخ بدر المحمد الأحمد الصباح، رحمه الله، والذي كلفني بالإنابة عنه في الحضور والمشاركة في غسل الكعبة المشرفة من الداخل.

ركبت السيارة التي راحت تنهب الأرض في لحظات تعد من أمتع لحظات العمر، امتدت من مدينة جدة عروس البحر الأحمر إلى مكة المكرمة التي شهدت فجر الإسلام وقبلة المسلمين، وعلى مدى هذه الساعة من الزمن جالت في ذهني أحداث من الماضي العظيم، حيث شهد هذا الطريق رحلة غيرت مجرى التاريخ في هجرة نبيّ الأمة وصاحبه أبي بكر من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة.

انتابتني مشاعر شتى بين لهفة وشوق وهيبة، وحين وصلنا إلى البيت الحرام حيث الجمع الكريم الذي سيشارك في المراسم برعاية سمو الأمير الملكي فواز بن عبدالعزيز، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، فتح الباب ووضع السلم، وبدأ الجمع بالدخول إلى صحن الكعبة المشرفة، وما إن وضعت قدمي على الدرجة الأولى من السلم حتى أحسست برعشة انتابتني من رأسي إلى أخمص قدمي، أحقاً أنا هنا في هذا المكان في لحظات لم تخطر أبداً على البال؟! أحقا أنا ضيف عند الرحمن في بيته الحرام في أطهر بقعة على الأرض؟!

عند المدخل قام أحد الشباب من إدارة المراسم بتسليمي عبوة من الماء الممزوج بالورد ودهن العود، بعدها قمت بأداء ركعتين في كل ركن من أركان البيت العتيق، إنها لحظات لن يجود الزمن بمثلها.

وأثناء عملي رئيسا للبعثة الدبلوماسية في جمهورية فنزويلا في الفترة ما بين 1996 و2000 زرت مدينة "ألمانيا الكاريبي" أو "كولونيا توفار" التي أسسها مجموعة من المهاجرين الألمان عام 1842، وتقع على قمة جبل على بعد 42 كيلو متراً من كراكاس، وتتميز المدينة بمحافظتها على ثقافتها وطبيعتها الألمانية، وعند تجولك فيها تشعر وكأنك تسير في إحدى قرى الريف الألماني بطريقة الحياة وبناء المساكن والكنائس، واقتصار المقابر على سكان المدينة من أصول ألمانية فقط، ويبلغ عدد سكانها 21.000 ألف نسمة.

ومن الأماكن التي مازالت عالقة في الذهن منطقة الأخدود العظيم "Grand canyon" الذي يقع في الجزء الشمالي الغربي من ولاية أريزونا في الولايات المتحدة الأميركية، ويعد من أروع المشاهد الطبيعية في العالم، ويبلغ طوله 340 كيلومتراً، ويبلغ أقصى عمق نحو 1744 متراً.

وعند وقوفي على حافة ذلك الأخدود العظيم شعرت بأني أرى بداية نشأة الأرض، فكل لون من ألوان طبقاتها يعبر عن حقبة من الزمن منذ أن خلقها الله. يا له من منظر رهيب يغرس في النفس عظمة الخالق وقدرته.

حفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

كلمات رائعة

من أقوال فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي، رحمه الله، وهو على فراش المرض قوله "لا يمكن أن تكون هناك معركة بين حق وحق لأن الحق واحد، ولا يمكن أن تطول معركة بين حق وباطل لأن الباطل زهوق". رحمك الله يا شيخنا الكبير، لكم نحن بحاجة لأمثالك في زمن غاب فيه العقل وتغلبت العاطفة، فاللهم لا تجعلنا حطبا لنار فتنة لا تُبقي ولا تذر، واحفظ اللهم الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

back to top