"مستقوياً" بالهجوم الكلامي، الذي شنه الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب، ضد الإسلام والمسلمين خلال حملته الانتخابية التي اتسمت بالتهور وعدم العقلانية وبالتخبط السياسي، بادر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى تنفيذ إجراء كان يراوده منذ فترة بعيدة، وهو منع "الأذان" في المسجد الأقصى وفي مآذن مساجد المدينة المقدسة بمكبرات الصوت العالية التردد، بحجة تفادي إزعاج الإسرائيليين الذين ينحصر وجودهم الاحتلالي قبل عام 1967 في القدس الغربية، بينما لا يتواجد الآن في القدس الشرقية وضواحيها إلا المستوطنون بالقوة، وخلافاً لما نصت عليه القرارات الدولية.

ولعل ما يجب أن يفهمه العرب، والمسلمون أيضاً في كل مكان، أن هذه الخطوة الخطيرة جداً التي أقدم عليها نتنياهو تأتي في إطار خطط "تهويد" المدينة المقدسة، وتحدِّياً لذلك القرار الذي اتخذته منظمة الـ"يونيسكو" قبل أيام قليلة، والذي نصَّ على أنه لا علاقة لليهود والإسرائيليين بالمسجد الأقصى وقبة الصخرة وحائط البراق (الحائط الغربي) وباب المغاربة وما حولها وأنها مقدسات إسلامية خالصة.

Ad

والمشكلة هنا أنه إذا مرَّ هذا الإجراء فإنه سيشجع الإسرائيليين على التمادي في عمليات الهيمنة والتهويد وتحدي القرارات الدولية، وآخرها قرار منظمة الـ"يونيسكو" هذا المشار إليه آنفاً، مما يستدعي استنفاراً عربياً وإسلامياً شاملاً وعدم ترك الفلسطينيين يواجهون هذا التحدي الذي هو من أخطر التحديات وحدهم، فالقدس كما هي عربية هي إسلامية ومسيحية أيضاً، وعلى اعتبار أن ما سيصيب المقدسات الإسلامية سيصيب المقدسات المسيحية لاحقاً، مما يعني أنه من غير مستبعد أن ينتقل الإسرائيليون من مآذن المسجد الأقصى، إنْ هم نجحوا، إلى أجراس كنيسة القيامة التي لا تبعد أبوابها عن أبواب مسجد عمر بن الخطاب إلا بنحو أربعة أمتار فقط.

وهنا يجب أن يأخذ أشقاؤنا المسيحيون، إخوتنا في العروبة، في الاعتبار أن من يتغدى بأخيك سوف يحاول أن يتعشى بك لا محالة، وأن من لا يعترف بأن عيسى بن مريم هو المسيح "المنتظر" من غير المستبعد، بل المؤكد أنه، إذا حقق كل ما يريده بالنسبة للمقدسات الإسلامية في هذه المدينة المقدسة، لن يتردد في منع رنين أجراس كنيسة القيامة إنْ توفرت الظروف الدولية لمثل هذا المنع... وقد تصل الأمور، إن لم يوضع حدٌّ لهذه العربدة الإسرائيلية وبسرعة، إلى ادعاء عتاة التطرف اليهودي امتلاك الأرض التي تقوم عليها الكنيسة المقدسة كادعائهم امتلاك جدار البراق وجبل الصخرة المشرفة.

يجب ألا تمر هذه الخطوة الخطيرة جداً، التي أقدم عليها بنيامين نتنياهو، مستغلاً أن رجُلاً أعطى انطباعاً خلال المعركة الانتخابية بأنه معاد للإسلام والمسلمين سينتقل بعد نحو شهرين إلى البيت الأبيض ويحتل كرسي الرئاسة في الولايات المتحدة، ومستغلاً أيضاً هذه الظروف الطارئة التي تعصف بالمنطقة العربية، ولهذا يجب أنْ تكون هناك وقفة فعلية وجادة للعرب كلهم... كلهم بدون استثناء، المسلمون منهم والمسيحيون، ويجب أيضاً ألا تكتفي الدول الإسلامية بمجرد إصدار بيانات رفع العتب، فالتحدي خطير جداً، ويقيناً فإنه إذا تمكن الإسرائيليون من "إخراس" مآذن القدس فإنهم سيلجأون حتماً إلى خطوات تصعيدية جديدة، وسيحاولون، ولو بعد مئة عام، إخراس أجراس كنيسة القيامة، فالخطر يهدد الجميع ومجرد الاستنكارات الباهتة الفارغة سيشجع الإسرائيليين على المضي في هذه السياسات الخطيرة.