لا يثير استغرابي في المحبين كأولئك الباحثين عن أمان لقلوبهم مخافة من يحبون!

يؤرقهم خوفهم على قلوبهم التي هي بين أيدي من اختاروا أحباباً لها، يمشون على حافة رمل متحرك من القلق، هؤلاء هم المحبون بلا حب! قد عرفنا محبين بلا أحباب، إنما هؤلاء «طائفة من المحبين» فريدة من نوعها، هم محبون لم يعرفوا الحب، لم يعيشوه، إنما قضوا العمر على عتبة بوابته، مخلصين له العمل بأمل أن تُفتح لهم البوابة يوماً!

Ad

كيف يمكننا أن نعيش حبا لا نأْمَن به على قلوبنا ممن نحب؟! إذا لم نأمن قلوبنا معه، فكيف نأْمَنه على ما تبقى منا؟! كيف نأمن على أحلامنا، وفرحتنا، وأمانينا، وغدنا، وكسرة خواطرنا، وجراحنا، وآهاتنا معه؟! كيف نأمن ألا تتحول زهرة اللحظة معه إلى لغم قابل للانفجار؟!

إن الشيء الوحيد الذي يجب ألا نبحث عنه في الحب هو الأمان على قلوبنا ممن نحب. جوهر الحب ألا نبحث عن هذا الأمان، بل نحصل عليه، إنه الطريق الذي أوصلنا لمن نسميه «الحبيب»، هذا الحبيب هو الذي يبعد عن صدورنا وسواسها الخنّاس بتعاويذ محبته لنا، وهو الوحيد القادر على إيواء قلوبنا عن مهب ريح الأذى، هو ذلك الذي تختاره قلوبنا ملجأ لها.

في الحب لا يمكن لمحب بأي حال من الأحوال أن يمنح الأمان لذاته، الشخص الوحيد القادر على ذلك هو من نحب، وليس نحن، إنه ذاك الذي نسلمه قلوبنا بكل جنون عقولنا راغبين هانئين، مطمئنين أنه سيغطيها عندما تشعر بالبرد، وسيحرص على حسن سير نبضها، وسيمسح الضباب عن زجاج الروح في الصباحات النديّة، ويفتح الستائر عند المساء لضوء القمر، على يقين بأن حزننا القادم سيكون معه وليس بسببه، وفرحتنا القادمة إن لم تكن بسببه، فهي بالتأكيد لن تكتمل إلا معه، هذه هي مواصفات الحبيب الذي نعرف ضمناً أن قلوبنا لن تختار سواه، حتى قبل أن نلتقيه، لأن ذلك هو الحبيب الذي يتمناه شخص سوي لقلبه، إن اخطأت القلوب الطريق فهي لن تدخل جنة الحب، إنما ستبقى أبد الحب على عتبة بوابته.

البحث عن أمان لقلوبنا مخافة من نحب - في رأيي- ليس حالة حب، إنما صفقة أمان، يتّبعها عادة أولئك الذين يخافون على قلوبهم من الذبول بلا حب حقيقي يبقي عطرها، فتلجأ إلى «إيداع» قلوبها في مكان يتمنون أن يكون آمناً بجوار بوابة الحب، فيما تمارس حياتها إلى أن تصادف حبا حقيقيا تودع قلوبها بين يديه بلا خوف، حينها تُفتح لهم بوابة الحب وتُختم على قلوبهم عبارة «ادخلوها آمنين»، لن يدخل أحد جنة الحب ما لم يُختم على قلبه تلك العبارة، ولن يصبح من مواطنيها، الذين يحومون حول سور الحب الحصين أو يستظلون بظله ليسوا من مواطنيه، هم حشد كبير، بعضهم طالب لجوء، وبعضهم طالب صدقة، وبعضهم بدافع الفضول، والبعض الآخر لصوص ونصابون يستغلون زحمة الموجودين وحاجاتهم، لذا استغرب أن يتوهم أيّ من هؤلاء أنه يعيش حبا أو يدّعيه.