عقب التراجع الوجيز في الأسواق، بدا خطاب الرئيس المنتخب أكثر ميلاً إلى المصالحة مما توقع كثيرون، وشدد على التزامه بالاستثمار في البنية التحتية، لذلك استخلص المستثمرون أن الانتقال إلى سياسة مالية أكثر توسعاً، فضلاً عن التخفيف من الكثير من التنظيمات في قطاعات تمتد من الطاقة إلى المال وتسعير الدواء، سيعزز الطلب وينعش الاقتصاد الأميركي.

نتيجة لذلك نشهد راهناً ارتفاعاً في معدلات الفائدة الحقيقية وتوقعات التضخم، فضلاً عن أسواق مالية ودولار قويين، لكن التجارب السابقة تُظهر أن ردود فعل الأسواق الأولى تجاه تطورات سياسية بارزة لا تشكّل مؤشراً دقيقاً إلى انعكاس هذه التطورات الفعلي. أعدّ خبير الاقتصاد الراحل في معهد ماساتشوستس للتنكولوجيا روديجر درونبوش دراسة موسّعة عن نتائج البرامج الاقتصادية الشعبوية حول العالم، واكتشف أن بعضها أدى أحياناً إلى نتائج إيجابية فورية، ولكن على الأمد المتوسط إلى الطويل تحوّلت هذه البرامج إلى كارثة بالنسبة إلى الطبقة العاملة التي أُطلقت باسمها، وقد يكون هذا مصير برنامج ترامب نظراً إلى الأخطاء الكثيرة في تصميمه، وافتراضاته غير المنطقية، وتجاهله المتهور للاقتصادات العالمية. لطالما كنت من مؤيدي الاستثمار العام المموَّل بالدين ضمن إطار معدلات الفائدة المنخفضة والبنية التحتية الأميركية المتداعية، لذلك سرّني أن يشدد عليه ترامب، لكن المؤسف أن الخطة، التي قدمها مستشاراه بيتر نافارو وويلبر روس، تشير إلى مقاربة تستند إلى الائتمان الضريبي لتمويل الاستثمار في الأسهم ومشاركة القطاع الخاص الكاملة. لكن هذه المقاربة لن تغطي معظم المشاريع المهمة، ولن تشمل الكثير من المستثمرين البارزين، وتشوبها هفوات كبيرة في استهداف الموارد العامة.

Ad

حتى لو تجاهلنا كلفة خطة البنية التحتية المحتملة (التي أساء فريق ترامب تقديرها) أو عملية تعزيز الدفاع المطروحة، تُعتبر اقتراحات ترامب للإصلاح الضريبي باهظة جداً، فلن يعود الكثير منها (مثل اقتراح إلغاء الضريبة على العقارات) بالفائدة إلا على الأثرياء الذين يدخرون مبالغ كبيرة من المال.

صحيح أن البرنامج المحلي المقترح يحتاج إلى تغييرات جذرية كي يحقق النجاح، إلا أن الميل العام لزيادة الاستثمار العام، وإجراء إصلاح ضريبي، وتعديل التنظيمات يُعتبر مناسباً، لكن الوضع يختلف مع خطة ترامب العامة، التي تقوم على فهم خاطئ لكيفية عمل الاقتصاد العالمي. لنتأمل في تأثيرات فوز ترامب المباشرة، فقد تراجعت قيمة البيسو المكسيكي بنحو 10% مقارنة بالدولار نتيجة الخوف من سياسات حمائية جديدة، وعلى نحو مماثل شهدت عملات عدد كبير من الأسواق الناشئة الأخرى انخفاضاً حاداً، ولا شك أن هذا التطور سيؤدي إلى ارتفاع كلفة أي سلعة تصدّرها الولايات المتحدة إلى المكسيك وتدني كلفة كل سلعة تصدّرها المكسيك إلى الولايات المتحدة. علاوة على ذلك ستجعل هذه الخطوة المكسيك وغيرها من الأسواق الناشئة تبدو بديلاً أقل كلفة مقارنةً بالولايات المتحدة بالنسبة إلى الشركات العالمية، ونتيجة لذلك سيواجه العمال الأميركيون، وخصوصاً العاملين منهم في مجال التصنيع، ضغطاً متزايداً. تفترض هذه الخطة أننا نستطيع الضغط على الدول كي تبقي قيمة عملتها مرتفعة، كما يكشف احتمال دفع وزير الخارجية الجديد إلى تصنيف الصين دولةً تتلاعب بمعدل سعر الصرف، ولا شك أن هذه خطوة سخيفة. صحيح أن الكثير من الحجج المنطقية أشار في الماضي إلى أن الصين تلاعبت بمعدل الصرف لأغراض تجارية، إلا أن الوقائع تؤكد أنها سعت في السنوات القليلة الماضية لدعم معدل الصرف، وينطبق الأمر عينه على معظم الأسواق الناشئة، ومن المؤكد أن الرؤساء الأميركيين يعجزون عن إلغاء قوانين علم الاقتصاد، مهما بلغ التفويض السياسي الذي يتمتعون به. قد تؤدي السياسات الاقتصادية الشعبوية إلى تأثيرات مختلفة في الولايات المتحدة، مقارنة بالأسواق الناشئة، إلا أن نتائجها لن تكون أفضل، لذلك على كل مَن يعوّل على الاقتصاد العالمي أن يأمل اليوم، كما اعتدنا سابقاً، أن يحافظ الرئيس الأميركي، الذي يواجه مسؤوليات الحكم، على الأسس السليمة في خطط حملته الاقتصادية، مدخلاً إليها تعديلات كبيرة.