لم يستمر «الساحر» طويلاً في أدوار الشاب الوسيم، فرغم نجاحه في هذه النوعية من الأفلام تمرّد عليها بشكل كامل في فيلم «وكالة البلح» ليقدّم شخصية «عبدون» العاجز الذي ينفر منه الآخرون، وكان الدور بداية مرحلة جديدة من حياة النجم معتمداً فيها على موهبته التمثيلية وقدرته على تقديم تنوّع في الشخصيات، وهو ما ظهر لاحقاً عبر أكثر من عمل من بينها على سبيل المثال «القواد» في «درب الهوى»، والطبيب النفسي في «العار»، بينما لم يتردّد في تقديم شخصية الأب العجوز في «العذراء والشعر الأبيض» مع كل من نبيلة عبيد وشريهان.

وكان للمُخرج أشرف فهمي دور مهم في حياة «الساحر» فهو رشحه أيضاً لفيلم «ولا يزال التحقيق مستمراً» للكاتب الكبير إحسان عبد القدوس عام 1979 من بطوله نبيلة عبيد التي شاركها عبد العزيز في ثلاثة أفلام أخرى لم تمثّل إضافة كبيرة له رغم معالجتها موضوعات مهمة وهي: «الخبز المر» 1982، و«قانون إيكا» 1991، وفيلم «فخ الجواسيس» 1992.

Ad

أما المخرج علي عبدالخالق فكان له أكبر رصيد من أفلام «الساحر»، وأظهر جوانب مختلفة في شخصيته الفنية من خلال «الأبالسة» 1980، كذلك «العار»، ثم دور مزدوج الشخصية في «إعدام ميت» 1985.

مغنٍ ساخر ومستبد وشيخ
اكتشف المُخرج علي عبدالخالق قدرة عبدالعزيز الفنية على الغناء بشكل ساخر، معتمداً على خفة ظله، وقدما معاً «الكيف» 1985، وبعدها قدم شخصية مختلفة من خلال فيلم «جري الوحوش».

وكان للمُخرج حسام الدين مصطفى دور كبير في تكوين النجم الراحل الفني، وكان الأبرز لهما فيلم «الشياطين» الذي نال عنه عبد العزيز جائزة أفضل ممثل.

أما المُخرج الكبير الراحل عاطف الطيب فاستطاع أن يضيف تأثيراً واضحاً إلى حياة عبد العزيز، لا سيما دوره في فيلم «البريء» 1986 بشخصية قائد السجن الذي يتعامل مع المعتقلين السياسيين بمنتهى القسوة. ويرجع الفضل في دوره في «الجوع» الذي نال إعجاب كثيرين إلى المُخرج علي بدرخان، فيما كانت الشخصية الأبرز والمُختلفة التي ستظل علامة فارقة في مشواره وتاريخ السينما المصرية «الشيخ حسني» في فيلم من إخراج داود عبد السيد وحصد عنه الراحل جوائز عدة ونال نجاحات جماهيرية واسعة.

وأخيراً، استطاع المُخرج الكبير رضوان الكاشف أن يعيد الأدوار المركبة إلى محمود عبد العزيز بعد فترة توقف للأخير تأنياً في اختيار أدواره فقدّم لنا فيلم «الساحر» 2002، وقال آنذاك في تصريحات إعلامية : «أعادني الكاشف إلى الأدوار المركبة ذات البعدين الاجتماعي والكوميدي بعد ما فقدت الأمل بذلك... وعندما بدأت تصوير الفيلم شعرت كأنني في اختبار لأول مرة... فكنت أخاف كثيراً من الكاشف لكنه أحد أقرب المخرجين إليّ».

نقاد: تمتع بطاقة فنية لافتة ولم يقدم كل ما في جعبته

كان النجم الكبير محمود عبدالعزيز وسيظلّ قيمة فنية كبيرة وصاحب بصمة فنية مميزة ظهرت في أعماله على مدار أكثر من ثلاثين عاماً. فيما يلي آراء بعض النقاد في أعماله وشخصيته التمثيلية.

يرى الناقد طارق الشناوي أن النجم الكبير محمود عبدالعزيز تغلّب على عقبات عدة، لكن يمثّل «الساحر» حالة درامية خاصة، مشيراً إلى قدرته على الحضور بقوة وسط جيل الشباب، فقبل مشاركة أحمد السقا بطولة فيلمه «إبراهيم الأبيض» في دور حمل بصمته الخاصة.

الناقدة ماجدة خيرالله توضح أن «الساحر» تمتّع بقدرة كبيرة على اختيار الموضوعات التي كان يقدمها، فلم يكرر أياً من شخصياته طوال حياته ما جعله غير مستهلك، مشيرة إلى أنه كان يفضّل أن يجلس في منزله بدلاً من تقديم أفلام مكررة أو غير هادفة.

وتشدّد خيرالله على أنه كان يملك قدرة كبيرة على التطوّر والدخول إلى مناطق تمثيلية ربما لم يكن مصنفاً فيها ولم يكن يُعرف بأنه يستطيع تقديمها، مثل شخصية الكفيف في «الكيت كات».

الناقدة ماجدة موريس تشير بدورها إلى أن محمود عبدالعزيز ترك بصمته على معظم أدواره، مؤكدة أن دوره في «الكيت كات» أفضل ما قدمه على الإطلاق ولم يستطع أحد حتى الآن تجسيد هذه الشخصية بهذه القدرة الفائقة، إلا حالات نادرة جداً. حتى أن الممثلين يخشون تقديم هذا الدور خشية المقارنة بـ«الساحر».

وتضيف موريس أنه قدّم في فترة شبابه الرومانسية في أفلام عدة، واستطاع أن يحفر اسمه من خلالها.

الناقد محمود قاسم يوضح أن عبد العزيز كان مختلفاً منذ بداية ظهوره، إذ لم يعتمد على وسامته بل طاقته الفنية التي شكّلت سبباً رئيسا في تغيير جلده الفني وتقديم أدوار مختلفة كل فترة، كذلك لم يكن يخشى المغامرات الفنية.

ويؤكد قاسم أن «الساحر» كان أحد أوائل أبناء جيله تقديماً لأعمال الفانتازيا كما في فيلميه «السادة الرجال» و«سيداتي آنساتي»، ثم تحوّل إلى أفلام تناقش أحوال المهمشين وأبرزها «الساحر» و«الكيت كات»، موضحاً أن النجم كان يمارس الفن منذ أن كان طالباً في المرحلة الابتدائية حتى الجامعة، إلا أنه لم يحترف هذه المهنة إلا بعد ما تخرج كي يستطيع التركيز فيها.

صائد الجوائز... بين المهرجانات المحلية والدولية

قدّم محمود عبد العزيز خلال مسيرته قرابة الـ80 عملاً سينمائياً جعلته محط أنظار العالم العربي وسلطت عليه الأضواء في أكثر من محفل سينمائي.

حصد النجم الراحل جوائز عدة سواء في مهرجانات محلية أو دولية، من بينها جائزة أحسن ممثل من مهرجان العالم العربي في باريس عن فيلم «الساحر» الذي أنتج عام 2001 من إخراج رضوان الكاشف، كذلك جائزة أحسن ممثل في مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي في دورته الثامنة عشرة عن الفيلم ذاته، بالإضافة إلى جائزة أحسن ممثل خلال مهرجان دمشق الدولي، فضلاً عن حصوله على الجائزة الذهبية عن دوره في فيلم «القبطان» إنتاج 1997.

وشكّلت جائزة مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الثلاثين عام 2006 أهمية كبيرة للنجم خلال مشواره الفني، وهو نالها عن فيلم «سوق المتعة»، وللمصادفة كان المهرجان كرّمه في دورته عن مجمل مشواره الفني في حفلة الافتتاح، وعن ذلك قال: «رغم تكريمي في مهرجانات عدة، يبقى أجمل شعور أن يكرّم الفنان في وطنه الذي شهد بداياته ونجاحاته ونجوميته».

أما فيلم «الكيت كات» فحصد عنه جوائز عدة سُجلت في تاريخه السينمائي.