تدور في ذهني هذه الأيام تلك القصة من تاريخ مصر والعرب، وهي القصة التي أصبحنا نتداولها كإحدى العلامات على التضامن العربي، وعلى قدرة العرب مجتمعين على إحداث تأثيرات حقيقية، وبغض النظر عن الخوض في تفاصيل هذه القصة التي تفرغها من جزء من معناها، إلا أنني سأتبنى الحالة الشعبية العامة وشديدة الإيجابية لهذه القصة.أنا هنا أتحدث عن استخدام النفط كسلاح في حرب أكتوبر، تعاملنا وآمنا بأن أحد الأسلحة المهمة التي كانت حاسمة في أكتوبر، هو قرار مجموعة الدول العربية المنتجة للنفط، أن توقف ضخ البترول إلى تلك الدول التي ساعدت إسرائيل في عدوانها.
وأنا هنا الآن أنقل عن صفحة مؤسسة الملك خالد بن عبدالعزيز، عندما قال إن الملك فيصل هو الذي خاص معركة المواجهة متسلحاً بالنفط، ومنذ توليه الحكم وهو يعلن استعداد بلاده لإعمال النفط سلاحاً في المعركة، وحدث هذا بعد هزيمة يونيو 67، وتطور موقف السعودية في حرب 73 بصورة أكثر تأثيراً ضد الدول المستهلكة للنفط، ونسب للملك فيصل وقتها أنه قال "عندما تستجيب أميركا وتصحح الوضع الذي تقوي فيه إسرائيل، وتجعلها ترفض السلام، فإن السعودية ستنظر في موضوع إنتاج النفط".ومن المعروف وفقاً لما نشر من شهادات ووثائق، أن التحضير لاستخدام سلاح النفط، بدأ قبل الحرب بشهرين، عندما قام الرئيس الراحل أنور السادت بزيارة سرية للرياض والتقى الملك فيصل، وتم الاتفاق وقتها أن تقوم الدول المنتجة للنفط، بوقف ضخ البترول للغرب في وقت الحرب، وفي 17 أكتوبر عقد وزراء النفط العرب، اجتماعاً في الكويت تقرر بموجبه خفض إنتاج النفط 5%، وتستحضر الروايات المختلفة مقولة الملك فيصل لهنري كسينجر، عندما ذهب إلى جدة ليطلب منه فك الحظر"عشنا وعاش أجدادنا على التمر واللبن، وسنعود لهما"، تسبب هذا الوضع في تصحيح أوضاع البترول في العالم، وارتفع سعر البرميل عام 73 من نحو 3 دولارات، إلى 10 دولارات عام 1974.ظلت هذه القصة، كما نرى، هي إحدى النقاط المضيئة في تاريخ العرب الحديث، وظلت مواقف الدول العربية من هذا الموضوع، وعلى رأسها موقف السعودية في تلك الفترة، أحد المواقف التي يستحضرها المصريون بقدر هائل من التقدير.أتذكر هذه القصة الآن، ونحن نتابع ما يتردد من أنباء أو تسريبات أو إشاعات عن وقف ضخ البترول السعودي المتفق عليه إلى مصر، نتيجة خلافات في المواقف السياسية أو الثنائية، وهو موقف شديد التناقض مع كل ما يتوقعه كل العرب من مصريين أو سعوديين، فلا أعتقد أنه من المقبول نفسيا، ولا في إطار العلاقات الثنائية أو حتى في إطار العلاقات العربية أو في إطار الدم العربي الواحد، أن يتم استخدام البترول كسلاح، في غير موضعه.في يوم ما استخدم النفط للضغط على أعداء العرب، ولذلك أتمنى، وأتوقع، أن يكون ما يتردد هو في إطار الشائعات أو عدم قدرة البعض على فهم التاريخ وطبيعة العلاقات، وهو موقف أثق بأنه سيتم تصحيحه سريعاً.في عام 73 توقفت الدول العربية المنتجة للنفط، وكان بينها الجزائر ولييبا والكويت ودولة الإمارات، ووقتها أيضا خرج تصريح الشيخ زايد الشهير الذي أدلى به في لندن عقب اندلاع حرب أكتوبر، عندما قال "إن البترول العربي ليس أغلى من الدم العربي"، نستطيع أن نلمس أن هذه الكلمة عاشت وتعيش، حتى الآن مترجمة من سلوك ومواقف واضحة، وأعتقد أنها ستمتد إلى كل الأطراف التي كانت يوماً داعمة للحق العربي، واليوم مطروح عليها أن تكون داعمة للاستقرار العربي ووحدة الصف.
مقالات - اضافات
حكاية من التاريخ القريب
18-11-2016