متى تلتئم الجروح العربية؟
هناك عبارة شهيرة تقول "اتفق العرب على ألا يتفقوا"، فرغم كل محاولات التجميل وإظهار الود بين الزعماء فإن الخلافات بين الدول العربية تظل مثل النار تحت الرماد وشوكة في جسد الوحدة والتضامن، فلا نكاد نفرح ونتفاءل بوجود تقارب وتحالف إلا ويظهر على السطح ما يعكر الأجواء ويعيدنا إلى نقطة الصفر لتطل الخلافات والاختلافات بوجهها القبيح وتذهب جهود لمّ الشمل في مهب الريح، وتبقى الوحدة مجرد أحلام، خصوصاً في ظل موجة ما يسمى بثورات الربيع العربي التي زادت الأمور تعقيداً، وجعلت كل دولة منكفئة على نفسها تعمل بمفردها.وفي حقيقة الأمر، فإن حل الخلافات العربية والسعي إلى وحدة الصف لا يقعان على كاهل الأنظمة الحاكمة فقط وإنما هناك مؤسسات يجب أن يكون لها دور أكثر فاعلية في تحقيق ذلك، فالجامعة العربية مثلاً على مدار عقود من الزمن نسمع منها تصريحات رنانة عن الوحدة والعمل المشترك دون أن يتحقق شيء على أرض الواقع، حتى وإن كانت الظروف لا تساعدها ولكن يبقى نفسها قصيراً ولا تخوض المعركة إلى النهاية فيأتي ويرحل أمناؤها بلا بصمات أو قرارات مصيرية تواجه التفكك والشرذمة وتحاول التقريب بين الدول الأعضاء.من المؤسسات التي تزيد الاحتقان بين الدول العربية بعض وسائل الإعلام والتي تسببت في الكثير من الأزمات بسبب تدخلها في الشؤون الداخلية للدول وتحريض الشعوب على الثورات والخروج على الأنظمة والترويج للأكاذيب والشائعات وبث الفرقة والفتن بين الناس، بل وصل الأمر بها إلى التعاون مع التنظيمات الإرهابية والدعاية لها، الأمر الذي زاد حدة الانقسام بين الدول العربية، وربما تفشل الجهود الدبلوماسية في ترميم ما تدهور من العلاقات وإطفاء الحرائق التي يشعلها بعض الإعلاميين عبر الفضائيات والصحف.
هناك أيضاً مجالس النواب في الدول العربية، والتي لا تبذل الجهود الكافية لتقريب وجهات النظر، رغم أنها تعبر عن الشعوب والتي هي أقل انقساماً وخلافاً، وكان يجب عليها أن تتبنى دعوات الوحدة والتعاون والعمل المشترك ولكنها في أغلبها منقادة وراء الصوت العالي للخلافات والصراعات رغم ما تظهره في اجتماعاتها من الحديث عن التعاون المشترك، ولكن الواقع يوحي بغير ذلك حيث تظل الخلافات قابلة للاشتعال أو هي مشتعلة بالفعل.ووسط هذه الضبابية في العلاقات بين الكثير من الدول العربية تظل الكويت بعون الله جزءاً من الحل بسبب علاقاتها الطيبة مع الجميع والدبلوماسية الهادئة والرزينة التي تنتهجها وقدرتها على لم الشمل بين الفرقاء وتوحيد الصف ومد جسور التواصل والتعاون والحوار بما يحقق التوافق المنشود والتوصل إلى تسويات سياسية للأزمات القائمة، وهي تبذل جهوداً كبيرة ومشكورة في هذا الشأن انطلاقاً من ايمانها العميق بأن الاتحاد قوة خصوصاً في ظل التحديات التي تواجه الوطن العربي وتسعى إلى تفتيته وتقسيمه.وفي الختام أود التأكيد على أن وحدة الصف العربي لم تعد بأي حال ترفاً إنما هي الدعامة الأساسية التي يمكن لهذه الأمة العريقة أن تواجه بها التحديات والمتغيرات الجارية إقليمياً وعالمياً كما أن المصالح القومية لن تحمى إلا بموقف عربي موحد، وعلينا أن ننظر إلى العالم حيث توحدت الكثير من الدول في تجمعات وكيانات عسكرية واقتصادية كبرى، ولعل دولنا العربية مهيأة أكثر من غيرها لهذه الوحدة بحكم الدين واللغة وغيرها من المقومات، ولعلنا نصل في يوم من الأيام إليها وننتهج الطريق السليم الذي دعانا إليه المولى عز وجل بقوله سبحانه وتعالى: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا" آل عمران (103)، وقوله تعالى: "إِن هذه أمَّتكم أمة واحدةً " الأنبياء (92)، وأيضاً قوله سبحانه: "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم" الأنفال (46).