ترامب اللامتوقع
دونالد دوك أقصد دونالد ترامب، الذي فاز بالانتخابات الرئاسية للولايات المتحدة الأميركية، أُعَرّفه لكم، وكأنكم لا تعرفونه! من يدري؟ ربما يكون هناك من لم يسمع عنه بعد! بغض النظر عن شخصه غير الكريم وتوجهاته اللامتواضعة وخلقه غير الرفيع، بغض النظر عن كل ذلك، فإنه نجح بطريق أو بآخر في أن يسلب جُلّ اهتمامنا وتركيزنا، أخذ حيزاً كبيراً وضجة أكبر في لفت أنظارنا نحوه، ولم نكن فعلاً نعيره أي اهتمام. كان، رغم كثرة تصريحاته المثيرة للجدل والتي تهدف بشكل ما إلى جذب حواسنا إليه لا أكثر، كمن يكسر إناء زجاجياً في عرض مكتبة يسودها سكونٌ يشبه زائريها! كنا، في كل مرة نضحك على حماقاته، يثيرنا في بعض الأحيان، لكننا ندرك تماماً استحالة وصوله، فلا نهتم لنعيقه العابث، كُلنا كرهنا صورته التي زينتها بالأمس أمواله، لكن لسانه وحده الذي قبّحه! وكما قال سقراط لأحد تلامذته المتبخترين يوماً: تكلّم حتى أراك!
فلم نكن نراه حقاً إلا بعدما صار "يهذي" أقصد يتكلم! وباللهجة الكويتية: حلاته ساكت! فسبحان الذي يُبدل الوجوه عند التحدث! ورغم يقيننا بفشله فإنه فاجأنا وفاجأ العالم كله بفوزه! تسمّرنا جميعنا أمام النتائج مذهولين! حتى بعد إعلان نتيجة التصويت لم تُبدِ تعابيرنا أي ملامح تدل على انتهاء الفرز! لم نستوعب فوزه لأيام، ومازلنا إلى هذه اللحظة نتساءل: شلوووون؟ التفسير الوحيد لظاهرة "ترامب" الظريفة تلك أنك مهما قللّت من شأن أحدهم فقد يصبحُ يوما ذا شأن وعزة لم تتوقعها قط، وقد لا يتوقعها هو لنفسه أيضا! ربما الثروة تلعب دوراً هنا لكن لا يهم! الأهم أنه صار ما لم يكن متصوراً بالعقلين الباطن والظاهر! فاز الذي له أربعون شبيهاً وأكثر، وصار رئيساً لدولة عظمى من كنا نظنه بالأمس معتوهاً وأحمق! هذه الحياة ربما ليست واضحة كوضوح رؤيتنا، لكنها مُتقنة التغليف، ليست كالهدية، فالهدايا تسر المهدى إليهم! هي تحمِلُ عكس ما تتوقع حتى إن قررت أن تتوقع الأسوأ فستنال الأكثر سوءاً! لذلك لا تتوقع شيئا، وكن على يقين أنك في زمنٍ لم يعد فيه شيء كسابق عهده، كل شيء يتغير حتى أنت نفسك مُتغير. شُكراً ترامب لأنك كسّرت قواعد المنطق والمفروض واللازم، وشكراً لأنك أثبتّ بجدارة أن كل ممنوع مرغوب، ولكل قاعدة شواذ، وبعد كل هذا يتسابق الآن كل الذين تنبأوا بفوزه، ليتم تسليط الضوء عليهم هم أيضاً، حتى إن اتُّهموا بالدّجل والشعوذة لا يهم! قد يصبحون يوماً رؤساء دول أيضاً.