شركة إماراتية تستبدل الوجبات السريعة في المدارس بصحية
حان وقت طعام الغداء... طابور من الأطفال الجائعين بانتظار دورهم لتناول وجبة ساخنة، وقد زكمت رائحة الطعام القادمة من المطبخ أنوفهم. قد يبدو ذلك أشبه بمقهى، لكنه في الحقيقة مطعم متنقل "كانتين" في إحدى مدارس أبوظبي. في هذه المدرسة وبدلاً من التهام الطعام بسرعة لإفساح المجال للآخرين المنتظرين دورهم، أصبحت فرصة تناوله أشبه بتجربة تعليمية بالنسبة الى الأطفال.فيصل الحمادي وحمد الشرفا اللذان يملكان الشركة حديثة العهد سلايسز Slices، التي تتخذ من أبوظبي مقراً لها، يطلقان على نفسيهما صفة "خبراء الطعام المدرسي"، وكانا يقدمان وجبات غذائية لأكثر من دستة من مدارس أبوظبي ودبي على مدى أكثر من أربع سنوات. وفي عام 2011 وقبل سنة من اطلاق "سلايسز" قال الحمادي إنهما عقدا اجتماعاً في مقهى محلي من أجل مناقشة مسألة تأسيس شركتهما التي عالجت قضية اجتماعية. ونظراً لأن الوصول الى وجبات طازجة سريعة خلال ساعات العمل كان عملاً شائعا، برزت فكرة اقامة متجر تجزئة -على غرار الشركة البريطانية بريت مانغر Pret a Manger– يقدم السلطات الطازجة والشطائر والحساء. ولكنهما تحمسا لإطلاق مشروعهما بعد اجتماعهما مع ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في المؤتمر السنوي لصندوق خليفة سنة 2011.
وأضاف الحمادي أن الشيخ محمد أبلغنا "اذا أردتما غرس عادات الغذاء الصحي لدى الناس فعليكما البدء بتعليمهم ذلك منذ طفولتهم". وذكر "أدركنا عندئذ أن علينا معالجة المشكلة الكبرى التي تواجه المجتمع والمتمثلة في تحسين نوعية الوجبات المدرسية في البلاد". وقد سمح لهما الحصول على قرض من صندوق خليفة الحكومي الذي يدعم الشركات حديثة العهد بالشروع في اقامة شركتهما ونيل مركز في السوق عبر خدمة تقديم طعام مدرسي.وبخلاف الدول الأخرى، فإن معظم المدارس في الإمارات العربية المتحدة خاصة، الأمر الذي سهل عليهما طرح فكرتهما على مديري المدارس بدلاً من التعامل مع القنوات البيروقراطية. وفي الإمارات تشكل المدارس الخاصة الدولية القطاع الأسرع نمواً في السوق، متجاوزا بقدر كبير المدارس الحكومية.وهما يعتقدان أن مستقبل الوجبات المدرسية يكمن، ليس فقط في تقديم خيارات صحية، بل في مساعدة الأطفال أيضاً على الاهتمام بالطعام الذي يتناولونه. وبعيداً عن طهي وجبات طازجة من إعداد اختصاصيي تغذية أطفال في مطابخ المدارس كل يوم فهما يوفران أنشطة أخرى مثل زيارة المزارع ودروس في الطبخ ومنتديات تفاعلية.وقال الحمادي "إضافة إلى تقديم وجبات ساخنة في المدارس لدينا فروع في الجامعات والمدارس في أبوظبي والعين ودبي"، مضيفاً أنهما على الرغم من أنهما كانا يأملان في طرح أغذية ذات مكونات عضوية فقط، غير أن ذلك أثبت انه غير عملي (مع وجود أرض صالحة للزراعة تقل مساحتها عن 5 في المئة من اجمالى مساحة دولة الإمارات العربية المتحدة، ومع كون 85 في المئة من الطعام المستهلك في البلاد مستورد). "لذلك استخدمنا مكونات طازجة ومغذية من دون مواد حافظة– ونحن نجلبها من مصادر محلية ودولية".ومن خلال عمله في صناعة الرعاية الصحية أدرك الحمادي أن التغذية جزء رئيسي من تطور الطفل، وهي أكثر أهمية من أي وقت مضى في عالم من المشاكل الصحية المتزايدة. وقال "إن رؤية الزيادة المقلقة في البدانة ومرض السكري جعلتني أفهم أن وقتي وجهدي يجب أن يركزا على منع تلك الأمراض وليس على معالجتها".ويتردد صدى هذين الرجلين في تحسين العادات الصحية للطعام في بلد تبلغ فيه نسبة الرجال البدينين أو ذوي الوزن الزائد 66 في المئة، فيما تصل النسبة بين النساء الى 60 في المئة، بحسب دراسة أجرتها "غلوبال بيردن". كما أن التقرير الأكثر شمولية، الذي صدر عن منظمة الصحة العالمية حول مرض السكري، يظهر وجود 422 مليون شخص في الوقت الراهن قد أصيبوا بهذا المرض في شتى أنحاء العالم، وأكثر من مليون من هؤلاء يعيشون في دولة الإمارات. وتقوم الآن مؤسسة الإمارات، وهي جمعية تراقب وتدرب وتمول الرواد الاجتماعيين، بمساعدة شركة سلايسز على تطوير أدوات تهدف الى توفير الرفاه للطلاب. وقال الحمادي "تهدف الفكرة الى السماح للطلاب بدفع قيمة الوجبات المدرسية عبر تقنية خاصة من خلال جمع معلومات عن تناول الأغذية، ونحن لدينا قدرة الوصول الى كل المعلومات، لأن قوائم الطعام وحقائق التغذية موجودة في نظامنا من ERP (تخطيط موارد المشروع) ومستوى النشاط البدني".وأضاف "عبر هذه المعلومات نحن نهدف الى توفير الأدوات للأطفال من أجل تحسين مستويات رفاههم، ونحن نقوم في الوقت الراهن بتطوير برامج لهذه الغاية ونعمل لإطلاق مشروع رائد في السنة المقبلة". ويعتقد الحمادي أن التفاعل مع الأطفال بهذه الطريقة وتضمينهم في عملية اتخاذ القرار يمثل الطريقة الأفضل من أجل تحقيق نتائج ايجابية.ولكن محاولة تغيير كيفية نظر المجتمع إلى الوجبات المدرسية يمكن أن تشكل هدفاً غامراً. وقال الحمادي "قد يكون من الصعب في بعض الأحيان تبرير استثماراتنا في هذا الميدان. وعلى أي حال نحن نعتقد أنها ستطرح مردوداً في الأجل الطويل مع تقدم المجتمع نحو تفهم أكبر لمسألة الصحة".وفي معرض اشادتها بجهودهما تقول ميثا الهبسي، وهي نائبة الرئيس التنفيذي لمؤسسة الإمارات "لم يجلبا أطعمة صحية الى المدارس فقط بل قاما بتطوير برنامج تعليمي كامل يتعلم شبابنا من خلاله فوائد أسلوب طراز الحياة الصحي عبر وجبات تغذية ودورات طهي ومنتديات تفاعل. إنه أسلوب للصحة من 360 درجة". ونظراً لأن "سلايسز" تحولت الى الربح في سنة 2014 فإنها غدت الآن في مسار نمو يعتقد الحمادي أنه واعد ومشرق. واضاف "لقد ضاعفنا دخلنا في الأعوام الثلاثة الماضية، ولدينا الآن 13 عقداً طويلة الأجل مع مدارس، ونتطلع الى بلوغ 100 مدرسة في السنوات الخمس المقبلة". ويضيف مبتسماً "نريد بناء الماركة العالمية الأكثر فعالية في أطعمة المدارس".