من أنت؟
ربما هو أصعب سؤال يُوجه لي عادة في أي لقاء أو زيارة ولا أستطيع أن أجيب بطريقة تؤكد قناعة الآخر بما أقول. من أنت؟ وإلى أين تنتمي الآن؟السؤال الأول كان في حوار سريع مع موظف الجوازات في مطار مسقط. كان سؤالا سهلا، كما يبدو، لكن إجابته صعبة. سألني موظف الجوازات وهو يتصفح جوازي الكندي المناقض لسحنتي العربية: - "أنت متجنس؟".
- "لا. هذي أول جنسية في حياتي".- "شنو كنت قبل هذي؟". - "ما كنت شيء".سلمني جوازي ومضيت، أفكر بالجملة الأخيرة. كانت حقيقة مؤلمة، لكنها حقيقة. من دون هذه الأوراق الملونة والممهورة بأختام السلطات، بشتى أنواعها، والمعتمدة من سلطات أخرى، بشتى أشكالها، أنت لا شيء. من دونها كنت لا شيء. وأي محاولة لترقيع هذا اللاشيء مجرد ترقيع الوهم بمزيد من الأوهام. قسوت على نفسي بالإجابة، وتألمت للسنوات الطويلة التي قاومت فيها هذه الحلول الترقيعية التي تغطيني وتعريني، تسترني وتفضحني، تضحكني وتبكيني. أي تحليل وجودي أو فلسفي سيكون مقبولا ومقنعا لإنسانيتي، لكنه لن يكون تحليلا حقيقيا. السؤال الثاني جاء في لقاء حواري جمعني بالإخوة في البحرين الأسبوع الماضي. كان السؤال الأصعب رغم بساطته من د. نادر كاظم: بماذا تشعر حين يطلق عليك الكاتب الكويتي – الكندي؟ كان السؤال مرعبا لشخص يضع قلبا هنا وعقلا هناك، ويحاول أن يجمع خطوتين يضم بهما قارات وأبحرا تمتد على مساحة الكرة الأرضية تقريبا، ويفصل بينهما عالم من التاريخ والوعي والثقافة. لم يكن السؤال مباغتا، وليس سؤالا غائبا لم يخطر ببالي وأسأله لنفسي من حين لآخر. هذا السؤال ليس أكثر من سؤال محير، محير ولا شيء أكثر. كانت الإجابة عن السؤال، والتي رددتها مرات كثيرة هو ألا أقول نعم أنا كاتب كويتي أحمل جنسية لا أنتمي لها ثقافيا. لكن أن أقول ماذا يمكن أن أكون غير كوني كويتيا. هل يقبل اليوم أي وطن عربي أن أدعي الانتماء إليه. بالتأكيد لن يقبل، ولن أقبل أنا. هذا السؤال الذي وجهه د. نادر كاظم، وهو المعني ببحث الهوية والآخر، يبحث في هويتي الثقافية والمعرفية وانتمائي التاريخي، وليس في الورقة التي حددها سؤال موظف جوازات عمان. أنا بالنسبة لموظف الجوازات مجرد ورقة مختومة عليها صورتي الشخصية تدل على هويتي التي تميزني بها عن غيري من العابرين أمامه. هو غير معني بانتمائي الثقافي والمعرفي، هو غير معني بأكثر من أن يتأكد من ورقة تعرفه بي اليوم، وورقة كانت تعرفه بي بالأمس. أما الهوية التي يبحث عنها المثقف، فهي هوية انتمائي الثقافي. هي محاولتي لمقاومة التغريب الذي أعيشه، ومناهضة طغيان الهوية الجديدة التي تمتد إلى الأمام، لتتصحر الهوية الأصلية التي كنت أنتمي لها وأريد أن أبقي على انتمائي لها. وأنا هنا لا أقصد اللغة، كما قد يتصور البعض. فالانتماء لا تحدده اللغة التي ننتمي إليها، إنما هذه الجذور التي تمتد داخلنا ونقاوم سيول ثقافات وتأصيل تاريخ مغاير ومخاتل يسعى لاقتلاعها.