قال تقرير الشال الاقتصادي الاسبوعي ان الشعب الأميركي اختار رئيسه، وذلك شأن أميركي، ولكن لهذا الاختيار إسقاطاته على منطقتنا، وهو أمر لابد أن نعيه، فالاختيار، وإن كانت معظم مبرراته اقتصادية، إلا أن محتواه لم يكن اقتصادياً، بل تحريك لمشاعر كامنة وغاضبة، وذلك عادة ما يحدث بعد كل أزمة كبرى.

فالولايات المتحدة الأميركية هي أعلى الاقتصادات المتقدمة نمواً، نموها ما بعد تداعيات أزمة العالم المالية، أي للفترة 2010-2015، راوح عند معدل 2.2 في المئة، بينما كان نحو 1.3 في المئة للاتحاد الأوروبي، ونحو 2 في المئة لبريطانيا، ونحو 1.3 في المئة لليابان.

Ad

والرئيس «ترامب» يدعو إلى العودة للمدرسة الاقتصادية الكلاسيكية، أي حكومة أصغر وأقل كلفة، وإطلاق يد القطاع الخاص -اليد الخفية- ليفعل ما يشاء، وحتى وعد بخفض الضرائب على أرباحه، والمدرسة الكلاسيكية التي سادت في الغرب منذ عهد «ريغان/تاتشر»، تسببت في أزمة عام 2008 وكانت أيضاً سبب أزمة عام 1929، ومنافع النمو على مدى 32 عاما خلال (1976-2008) وفقاً لـ «إيمانويل سايز» من جامعة «بيركلي» كاليفورنيا، حصدها بكاملها أعلى 10 في المئة دخلا، وثلثا هذه المكاسب ذهبت لأغنى 1 في المئة، أي أن الأغلبية الساحقة من الشعب وضمنهم البيض، وتحديداً متوسطي الدخل من أنصاف المتعلمين التي صوتت له، لم تستفد، ولن تستفيد من نهجه الاقتصادي.

من المؤكد أن «ترامب» الرئيس غير «ترامب» المرشح، وأن الولايات المتحدة الأميركية دولة مؤسسات لا سلطات مطلقة فيها لرئيس، حتى وإن كان لا يدين لحزبه بفضل انتخابه، ولكن، لابد أن يكون لنزعة الرئيس تأثير على السياسة العامة. ورغم أن الرئيس «ترامب» لم يدخر أحداً في خطابه العدائي، إذ شمل أوروبا وحلف الناتو والصين والمكسيك والمسلمين بشكل عام وإيران إلى جانب الإقليم والكويت، إلا أن الإقليم والكويت يمثلان أضعف الحلقات إذا أراد تحت ضغط الإعلام والخصوم الوفاء بتعهداته الانتخابية، نتيجة ضعف موقفهما التفاوضي مقارنة بالآخرين. وآخر ما يحتاج إليه الإقليم، هو إضافة عامل سلبي آخر إلى عوامل ضعفه الحالية، مثل وضع سوق النفط والأحداث الجيوسياسية وتفكك جبهاته الداخلية، ولابد من التحوط قدر الإمكان لتداعيات هذا العامل الجديد.

موقف عدائي

والموقف العدائي للإقليم من الرئيس الأميركي المنتخب، وإن كان قديماً بالنسبة له، إلا أنه بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية كلها نتاج تطور على مدى ربع قرن، فالفكاك الإستراتيجي بينها وبين الإقليم بدأ سياسياً وأمنياً منذ سقوط الاتحاد السوفياتي في عام 1991، ثم انقلاب قوى التطرف الإسلامي عليها، والاقتصادي بدأ في العقد الماضي عندما نفذت الولايات المتحدة الأميركية إستراتيجيتها المعلنة بالاستغناء عن نفط الإقليم، وهو هدف شارف على نهاية تحققه، و»الجاستا JASTA» مؤشر حديث لهذا الفكاك.

وسوف يصبح الوضع أكثر خطورة، إذ شجع الاتجاه إلى اليمين المتطرف الولايات المتحدة الأميركية، إلى امتداد العدوى إلى أوروبا، وكلنا يشهد حالياً نماذج لها، بدءاً من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلى النزوع إلى اليمين في انتخابات دول أوروبية رئيسية. لذلك، لم يعد للأدوات القديمة التي يستخدمها الإقليم مثل شراء الود الأميركي بالتعهد باستقرار إمدادات الطاقة، أو خصها أو غيرها بعقود التسلح الضخمة، مفعول كبير، وأصبح التركيز على امتلاك أوراق تفاوض ناشئة عن قوة الإقليم وكل قطر فيه هي الوقاية من الضرر، أو خفضه بشكل كبير على أقل تقدير.

لذلك، نعتقد أن التوجه المخلص نحو تقوية الجبهات الداخلية لكل بلد، وهو أمر يتطلب تنازلات، بات شرطاً أساسياً من أجل الاستقرار، ونعتقد أن نبذ العنف الطائفي أو القومي في الإقليم ضمانة أخرى لتجاوز الصعوبات المالية والاقتصادية، وأيضاً لبناء موقف تفاوضي قوي أمام الغير، إنها مخاطر جوهرية، تحتاج لدرئها إلى فعل، وليس ردود فعل غاضبة.