ثمة تبرُّم وضيق من الممارسة السياسية في الكويت بشكلَيها المؤسسي والأهلي، والسواد الأعظم من المواطنين ممن يمكن سماع أصواتهم يغلبهم الشعور بالقنوط واليأس مما انتهت إليه التمارين على الديمقراطية منذ منتصف القرن الفارط. فالوجه العابس، الصامت، الداكن للسياسة في مجتمعنا خذل طموحات الشرائح الأكثر وعياً ونبلاً ونقاءً بيننا.

وهناك حاجة إلى تدبر هذا الأمر أكثر من أي وقت مضى، كما أن هناك ضرورة لإخضاع بعض ما اتخذناه مسلماتٍ إلى التدقيق والفحص. وبدءاً، فإن الديمقراطية بطبيعتها أداة وليست هدفاً بحد ذاتها، وممارستها لا تعفينا من استحقاقات متعددة في مقدمتها مسألة العدالة، ذاك أنها كأداة برهنت بطريقة مطردة وعميقة على أنها لا تحقق أهدافها، ومن اللافت أن هذه النتيجة تشخص، راهناً، في أربع رياح الأرض.

Ad

إن إنجاز الديمقراطية للعدالة الاجتماعية بات بعيداً ومستعصياً أكثر من أي وقت مضى، وآية ذلك منظومتنا السياسية ذاتها، والتي لم تفلح إلا في إنتاج شروط عجزها المرة تلو الأخرى بحيث يصح وصفها بـ"السياسة العاقر". أما القول بأن جرعات أكبر من الديمقراطية هي ضرورة لرأب الصدوع الاجتماعية والشقاق الأهلي وتحقيق العدالة فهو قول ناقص، فالديمقراطية تلوح عاجزة إزاء تنامي ظاهرة الظلم الاجتماعي وعدم العدالة والتلاعب والأوليغاركية "هيمنة الأقلية" واحتكار السلطة والثروة.

والحقيقة أن الديمقراطية تفتقد الأرض الصلبة التي تنهض عليها، وربما يكتنف التالي بعض المفارقة، إلا أن الديمقراطية كي تعمل بكفاءة عالية هي بحاجة مسبقاً إلى مقاصد موضوعية تشكل الخير الاجتماعي المشترك، على نحو يرسم فيه كل مجتمع حزمة من القيم التي يتطلع إليها ويحتكم إليها في تقرير ما هو خير وصحي وما هو شرير وضار، وبصورة عامة في تشكيل نوعية المجتمع الذي يروم اجتراحه.

إن الزواج الشكلاني بين الديمقراطية الخاوية والسياسة العاقر هو الضمانة الوحيدة لاستقطاب سياسي متزايد وانقسام مجتمعي يلتهب في كل لحظة، ومن المؤكد أنه الطريق الممهد نحو إضعاف المجتمع والاختلاف بشكل جذري على كل شيء.