أعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل (62 عاما) أمس لحزبها المحافظ الاتحاد المسيحي الديمقراطي، ترشحها لولاية جديدة في منصبها، بينما يرى فيها انصارها الحصن الاخير في مواجهة صعود الشعبويين الذي عكسه قرار البريطانيين الخروج من الاتحاد الاوروبي وفوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية.

وأكدت ميركل أنها تطمح لإعادة انتخابها في رئاسة الحزب خلال مؤتمر يعقده في ديسمبر، ثم الترشح للمستشارية خلال الانتخابات التشريعية المقررة في سبتمبر أو أكتوبر 2017.

Ad

واعتبرت المقربة منها في حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي جوليا كلوكنر انها "ضمانة استقرار وثقة في فترة اضطرابات".

وتشير استطلاعات الرأي الى ان ميركل (62 عاما) تتمتع بفرص كبيرة للفوز في الانتخابات لولاية رابعة في منصب المستشارية.

بذلك ستحطم ميركل الرقم القياسي في مدة الحكم لـ14 عاما في ألمانيا الذي سجله المستشار كونراد اديناور بعد الحرب العالمية الثانية. لكنها ستعادل سلفها وراعيها السياسي هلموت كول الذي بقي مستشارا لـ16 عاما.

واشار استطلاع للرأي نشر أمس إلى رغبة 55 في المئة من الالمان في بقاء ميركل في منصبها مقابل 39 في المئة يرفضونه (في اغسطس كانت نسبة التأييد 50 في المئة).

غير أن ميركل تشهد مفارقة حاليا، فهي تلقى الاشادات في الخارج حيث يعول عليها كثيرون منذ فوز ترامب في اميركا، لكنها داخليا ستخوض السنة الانتخابية، وقد أضعفها وصول مليون لاجئ الى ألمانيا.

وتمكنت أنجيلا ابنة القس التي نشأت خلف الستار الحديدي، من الارتقاء، خلافا لجميع التوقعات، الى المستشارية الالمانية.

ولم يكن أحد يتصور في خريف 2005، بعد فوزها الشاق على المستشار الاشتراكي الديمقراطي اللامع غيرهارد شرودر، أن تحصل المسؤولة المحافظة التي تفتقر الى الكاريزما، من مجلة "فوربز" على لقب "أقوى امرأة في العالم" على مدى ست سنوات على التوالي.

ونجحت ميركل التي باتت برأي أنصارها "زعيمة العالم الحر" بعد فوز دونالد ترامب بالرئاسة في الولايات المتحدة، خلال أحد عشر عاما من السلطة، في فرض أسلوبها الخارج عن الأنماط المعروفة، اسلوب يمزج بين الذكاء الشديد في خوض علاقات القوة، والبراغماتية القصوى التي تحمل أحيانا على اتهامها بعدم امتلاك قناعات، والافتقار الى البراعة الخطابية.

وغاب نظراؤها السابقون عن الساحة الدولية مثل جورج بوش وتوني بلير وجاك شيراك وسيلفيو برلوسكوني، وهي لا تزال تمسك بزمام السلطة في ألمانيا.

وتبقى ميركل الملقبة في الصحافة الألمانية "الأم أنجيلا" تيمنا بالام تيريزا، بدون منافس في بلدها، ولو ان شعبيتها تراجعت بعدما فتحت الأبواب أمام مليون لاجئ.

وأثار قرارها وإصرارها على التمسك به بالرغم من الانتقادات مفاجأة كبيرة.

وكانت أنجيلا دوروتيا ميركل التي نشأت في ريف جمهورية ألمانيا الديمقراطية (المانيا الشرقية الشيوعية)، تعرف قبل ذلك بميلها الى عدم التصدي للرأي العام.

وبدت المستشارة لوقت طويل وكأنها لا تكترث لمقام منصبها، لاسيما مع قلة اهتمامها بملبسها وعدم إتقانها الفن الخطابي.

وهي تعيش في شقّة لا تملك وسائل الترف في وسط برلين، وهواياتها المعروفة قليلة جدا الاوبرا والنزهات في منطقة تيرول الجبلية مع زوجها الثاني يواكيم ساور، وهو عالم يفضل البقاء بعيدا عن الحياة العامة.

وتشاهد بانتظام في سوبر ماركت متدني الأسعار قريب من منزلها في برلين، حيث تشتري الجبنة والنبيذ الأبيض.

واحتفاظ ميركل بسلوكها ومظهرها العاديين، بقي لفترة طويلة ضمانة لشعبيتها لدى الناخبين.

على الصعيد السياسي، كان أسلوبها في الحكم ما بين وصولها الى السلطة في 22 نوفمبر 2005 وأزمة اللاجئين يتسم بالبراغماتية، مع فترات من التردد على هوى توجهات الرأي العام، ما حمل منتقديها على اتهامها بالانتهازية.

وقال الخبير السياسي تيلمان ماير من جامعة بون لوكالة فرانس برس انها تميل الى "الانتظار لفترة طويلة على الدوام، قبل التفوه أخيرا بكلام حاسم".

ووصل الأمر بعالم الاجتماع اولريش بيك الى ابتكار مفهوم أطلق عليه اسم "ميركيافيل" لوصف النهج الذي تتبعه، وهي كلمة مركبة من اسم المستشارة والسياسي والمفكر الإيطالي ماكيافيل، لوصف أسلوبها في الحكم القائم على مزيج من التريث والحزم.

عاشت ميركل حياة من التقشف في ألمانيا الشرقية، بعدما قرر والدها الانتقال من الغرب إلى الشطر الشيوعي من البلاد للمساهمة في نشر التعاليم المسيحية في الدولة الشيوعية.

وكانت في صغرها تلميذة موهوبة تحب الرياضيّات واللغة الروسية. وتابعت دروسها الجامعية في ظل النظام الشيوعي حتى حصولها على شهادة دكتوراه في الكيمياء.

الطفلة

بعد سقوط جدار برلين في نهاية 1989، انخرطت في العمل السياسي، أولا كمتحدثة باسم آخر حكومة في المانيا الشرقية، ثم بانخراطها في الاتحاد المسيحي الديمقراطي المحافظ بزعامة هلموت كول.

والمستشار "العملاق" آنذاك هو الذي عرض عليها أولى مسؤولياتها الوزارية. وكان في ذلك الحين يلقبها بتودد الطفلة.

وفي العام 2000، اغتنمت فضيحة مالية داخل حزبها لإبعاد مرشدها في السياسة، ثم خصومها الرجال الواحد تلو الآخر، وقد أساؤوا تقدير قوة تلك المرأة التي كانت مترددة في بداياتها ولم تكن تولي مظهرها أي اهتمام.

وبعد خمس سنوات حصلت على التكريس فأصبحت أول امرأة مستشارة لألمانيا، قبل أن يجدد لها الناخبون ثقتهم مرتين.

وهدوء هذه المسؤولة السياسية التي احتفظت باسم زوجها الأول، ليس سوى واجهة. فسرعان ما فرضت نفسها على الساحة الدولية، إلى حدّ باتت بمثابة حصن في وجه التسلط التركي أو الروسي، والمنحى الانعزالي الذي تتخذه الولايات المتحدة وأزمة ما بعد قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الاوروبي.

ويمكن للمستشارة أن تظهر تشددا صارما، كما في تعاطيها مع مسألة الديون اليونانية، ولو حرك ذلك في اوروبا الأفكار النمطية القديمة عن النزعة العسكرية الألمانية.

وهذا الانضباط الصارم لقي تقديرا كبيرا بين مواطنيها، إلى حدّ جعل لقبها "الأم" (موتي) ينتشر بشكل واسع بين أنصارها، ولو انه كان بالاساس ساخراً.