جرى أول اتصال هاتفي بين بوتين والرئيس الأميركي المنتخب ترامب في 14 الجاري، وجاء في البيان الصحافي الرسمي الذي صدر أن "بوتين وترامب اتفقا على أن حالة العلاقات الأميركية- الروسية الراهنة غير مرضية وقررا العمل بدأب نحو التطبيع والتعاون البناء في مجموعة واسعة من المسائل". كذلك أشار البيان إلى أن كلا الطرفين شددا على ضرورة العودة إلى "التعاون العملي الذي يحمل فائدة متبادلة ويخدم مصالح الدولتين فضلاً عن استقرار العالم وأمنه".

يعكس إعراب ترامب عن احترامه لبوتين رغبة يخفق في إخفائها تُظهر أنه يود اتباع مثال الرئيس الروسي كقائد حازم وقوي، وبما أن ترامب يشتهر بمهاراته في التفاوض، فلا تتوقع موسكو أن يكون التعامل مع الولايات المتحدة في سورية وغيرها من المناطق بالسهولة التي صُوّر بها.

Ad

من بين المشاكل الأبرز في السياسة الخارجية، لا شك أن سورية الأكثر صعوبة لكلتا الدولتين في المنطقة في الوقت الراهن، إذ تواصل موسكو وواشطن دعم المجموعات المتحاربة التابعة لكل منهما على الأرض والترويج لروايات بعيدة كل البعد عن التسوية على ما يبدو.

ولكن إذا قرر ترامب التركيز على الحرب ضد "داعش" والمتطرفين عموماً، فلا شك أنه سيبني أساساً متيناً إلى حد ما للتعاون مع موسكو، إلا أن سياسته الفعلية قد تكون أكثر تعقيداً، فضلاً عن أن هذه المعادلة تحمل نقاطاً مجهولة، خصوصاً مع معارضة "البنتاغون" الشديدة لتعاون مماثل.

ستحاول موسكو في الوقت الراهن دعم رؤية ترامب على الصعيد الدولي، فخلال الأشهر القليلة الماضية، كانت موسكو تستعد للسيناريو الأسوأ مع ما كانت ستحمله سياسات الرئيسة هيلاري كلينتون، وخصوصاً احتمال إنشاء منطقة حظر جوي في سورية وتعزيز الدعم المالي، والعسكري، والسياسي المقدَّم إلى المعارضة السورية، ولكن بما أن هذا السيناريو بات مستبعداً اليوم، فقد تقرر روسيا خفض قدرات الردع التي تعتمدها، وذلك كوسيلة تفاوض أو حتى أداة تنازل.

إن كان احتمال التعاون في الشأن السوري يبدو أكبر اليوم، فإن جبهات أخرى تبدو أكثر تعقيداً؛ فقد يتحوّل أحد المسارات التي لا تحظى راهناً بالاهتمام الكافي في الشرق الأوسط إلى عملية تجاذب شرسة بشأن إيران، إذ إن موسكو تعمل على تحالف تكتيكي مع طهران في سورية، كما أن إجماعهما النسبي على الأجندة الإقليمية الأشمل عملاً في حالة تطور دائم لا مجرد متغيّر ما، وقد نتوقع أن يصلح ترامب العلاقات المضطربة مع دول الخليج مع أن النخبة الإقليمية تشك في إمكان حدوث ذلك في هذه المرحلة، ولكن من المستبعد أن يرفض الصفقة التي عقدها أوباما مع إيران.

على النطاق الأشمل، تتساءل موسكو عما إذا كان ترامب سيروّج لرؤية إستراتيجية في الشرق الأوسط شبيهة بما اعتمدها زملاؤه في الحزب الجمهوري خلال عهد جورج بوش، علاوة على ذلك، سيُضطر الرئيس الأميركي إلى مواجهة خيار كان على كلينتون القيام به لو انتُخبت: هل تريد الولايات المتحدة وجوداً سياسياً أكبر في المنطقة أم إنها تفضّل الحد من تدخلها إما لاستكمال الاستدارة نحو منطقة المحيط الهادئ الآسيوية أو للتركيز على المشاكل الأميركية المحلية؟ لا شك أن الجواب عن هذا السؤال سيؤدي دوراً في تحديد ما إذا كانت روسيا والولايات المتحدة ستنتقلان إلى التعاون والعمل معاً أو سترجعان إلى التنافس والتخاصم.

أخيراً، التوقيت مهم... فبما أن الدورة الانتخابية المقبلة في الولايات المتحدة تبدأ في اليوم التالي لاستلام الرئيس الجديد سلطته، قد تكون أربع سنوات في سدة الرئاسة أقصر من أن تسمح لترامب بتحديد النموذج الصحيح للعلاقات مع موسكو، إلا أنها كافية بالتأكيد لإغراقها أكثر، لذلك أمام موسكو وواشنطن هدفان أساسيان: أولاً، من الضروري أن يرسم قائداهما رؤية واضحة وواقعية لما يودان تحقيقه في غضون سنتين، وثانياً، عليهما أن يصمما بعزم على إبقاء خياراتهما مفتوحة على كل الفرص التي تُتاح لهما بغية الحد من الصراعات التي قد تطرأ، كتلك التي تنشأ راهناً.

* ماكسيم سوشكوف