تحت رعاية وزير الإعلام ورئيس المجلس الوطني للثقافة والآداب والفنون الشيخ سلمان الحمود، أقيم الأسبوع الماضي حفل توقيع كتاب الإعلامي القيادي الفنان محمد السنعوسي بمكتبة الكويت الوطنية.

أشرف على الحفل مدير المكتبة الوطنية كامل عبدالجليل، الذي أحسن ترتيبه وتنظيمه، وكان بحق من أجمل حفلات التوقيع التي رأيتها بحياتي، من حيث الترتيب الجمالي، المتمثل في الزهور والإضاءة والسينما وضبط درجات الصوت بالمايكروفونات، والتغطية الصحافية لمعظم الصحف الكويتية والتلفزيون، وأيضا بوجود الشباب المنظمين، لمساعدة الضيوف في الدخول والخروج.

Ad

اقتصرت الدعوة على معظم الإعلاميين والكُتاب والممثلين، وأغلب من تعامل مع السنعوسي خلال فترة إدارته كمدير لتلفزيون الكويت من 1961 إلى 1985، أي حوالي 24 سنة تقريبا من افتتاحه.

الحفل كان عاطفيا بالدرجة الأولى، وأغلب الحاضرين كانت لهم علاقة عمل وصداقة معه، سواء اختلفوا أم اتفقوا في الآراء أو في طريقة الأداء بتنفيذ الأعمال، بقيت المحبة قائمة بينهم، وهذا يدل على نزاهة قيادته، حيث إن الخلافات لم تكن شخصية تحمل ضغينة أو غلاً ما، فقد كانت تتمحور حول وجهة نظره في طريقة العمل.

هذه المشاعر المتدفقة بالمحبة والعواطف النبيلة تجاه بعضهم البعض جعلتني أشعر بحلاوة ونقاء زمنهم الجميل ذاك البعيد، القائم على التنافس الشريف لمصلحة العمل العامة فوق مصالحهم الشخصية.

الكتاب الموقَّع من قِبل السنعوسي أهدى منه نسخا مجانية لجميع الحضور، وأمضى وقتا طويلا في التوقيع لطابور طويل كان في انتظاره، وهو مكون من 500 صفحة من القطع الكبير، محتويا على صور وشهادات ووثائق تعتبر تاريخا مهما موثقا لمعظم الأحداث والأعمال التي قدمها تلفزيون الكويت في عصره الذهبي، حينما كان تحت قيادة وإدارة محمد السنعوسي.

سأعود للكتاب حينما أنتهي من قراءته، لأهميته واحتوائه على أرشيف الأعمال التلفزيونية الكويتية التي ربت وجداننا، وباتت جزءا من ماضينا وحياتنا.

محمد السنعوسي، رجل حباه الله بقدرات متعددة يصعب أن يمتلكها شخص واحد، وهو الجزء المحيِّر بشخصيته، فهو الإداري الفذ الناجح، أدار التلفزيون لمدة 24 عاما بنجاح، حتى جعل تلفزيون الكويت الأول في المشاهدة الخليجية، والأعمال الفنية الكويتية هي الأولى بالمتابعة في دول الخليج، وهذا بحد ذاته إنجاز على الصعيد الشخصي، وعلى المستوى الوطني أيضا.

أما الجزء الأهم من شخصيته المزدوجة، فهو الفنان الكبير المختبئ بعباءة الإداري، وأقصد به المخرج القدير الناجح، الذي قدم أجمل الأعمال الفنية بتلفزيون الكويت، وكانت الأغاني ناجحة مثل أغنية "السمار" الشهيرة لعبدالحليم حافظ، حيث جعله يرتدي الدشداشة والغترة على طريقة الحداقة بالبحر، وكانت حدثا بوقتها.

كذلك أخرج أغاني لشادي الخليج، وفيلم العاصفة، وأيضا أول فيلم مصور عن الحياة في الكويت 1968، كما أخرج عددا من الأوبريتات، لعل أهمها مذكرات بحار، وهي برأيي إبداع صرف، حيث خلق من الإمكانيات الفنية التكنولوجية البسيطة بذاك الوقت عملا إبداعيا جميلا مبهرا، أظنه إلى هذا اليوم مازال محتفظا ببريقه، وباقيا في ذاكرتنا، كأجمل ما يكون، كما قالها البحار.

محمد السنعوسي فنان مبدع، لكن طاقته الكبيرة المشتتة بأعمال كثيرة بلعت الفنان بداخله، وانتصر رجل الأعمال المترئس للشركات والمؤسسات الكثيرة المتعددة والمتنوعة والمختلفة التوجهات، والذي بات وزيرا للإعلام وللإنتاج السينمائي، والترويج السياحي، وما لا ينتهي من سلسلة الأعمال.

على الصعيد الشخصي، محمد السنعوسي وزوجته باسمة سليمان بالنسبة لي يمثلان سنوات الحب والبهجة، عرفتهما في مطلع الثمانينيات، وكانت الحياة وقتذاك تتوهج بالشباب والجمال وتفتح طاقات العمل الخلاقة التي كانت بين زوجي ومحمد السنعوسي، حين كانا يؤسسان شراكة مع المخرج العالمي الجميل مصطفى العقاد، الذي سبق أن تعاون مع السنعوسي في فيلم الرسالة، وكان وقتها يتم التحضير لفيلم عمر المختار.

مصطفى وباسمة السنعوسي أجمل وأصدق "كوبل" مرَّ عليَّ، صداقتهما حقيقية دافئة تجدهما عند الفرح والشدة، ورغم كل انشغالات أبوطارق، فإنه موجود دائما في المناسبات الاجتماعية. لذا ارتبطت ذاكرتي وحياتي بأحلى سنوات العمر معهما، وباتا يمثلان لي عنوانا للبهجة.

اكتشفت قرباً آخر غير الصداقة التي تجمعني بهما، وأنا أتصفح الكتاب، انتبهت إلى أن السنعوسي شمري من حائل مثلي، وكان بيتهم في حي الصالحية، مثلما كان بيتنا هناك أيضا.