ذكرى استقلال لبنان.. أمل بانطلاقة سياسية جديدة مع انتخاب رئيس جديد

نشر في 21-11-2016 | 11:32
آخر تحديث 21-11-2016 | 11:32
صورة من الانترنت
صورة من الانترنت
الذكرى الـ 73 لاستقلال لبنان تذخر أملاً بانطلاقة سياسية جديدة تقاطعت على ابرازها كل الطبقة السياسية اللبنانية وهذا ما تجلى بانتخاب رئيس الجمهورية في الـ 31 من أكتوبر الماضي وتكليف رئيس لتشكيل الحكومة وما سبق هذان الحدثان من أجواء مباشرة وايجابية فتحت الدوائر المغلقة والأبواب المقفلة على حراك جديد كان الوطن بأمس الحاجة إليه.

وذكرى الاستقلال تكتسب في حياة الأوطان أهمية كبرى إلا أن هذه السنة لها أهمية استثنائية في حياة اللبنانيين فللمرة الأولى منذ سنتين ونصف السنة تقريباً يسد الفراغ الرئاسي وينتخب رئيس جديد تتويجاً لتفاهمات سياسية خلطت الأوراق وأعادت النظر بالاصطفافات السياسية.

فاستقلال لبنان كان يمنى أحياناً بسلبيات تظهر في اشكالات وفتن وحروب بعضها قصير وبعضها الآخر لأشهر أو أعوام عدة ومع كل فتنة كان البعض يتصور بأن الكيان اللبناني الذي نال استقلاله بجهد جهيد آيل إلى الضياع والهوية اللبنانية مهددة بالتمزق ولكن إرادة العيش الوطنية المغروسة في الوجدان اللبناني كانت دائماً تعيد احياء الآمال وبالتالي تفتح السبل أمام مراحل من الازدهار والاستقرار والعمل على ازالة سلبيات الحقب السوداء.

وبعد الحرب العالمية الأولى وخروج العثمانيين من لبنان وباقي المنطقة العربية دخلت فرنسا إلى لبنان ليصبح تحت الانتداب الفرنسي وفي سبتمبر من عام 1920 أعلن المفوض السامي لدولة الانتداب الفرنسي الجنرال غورو قيام «دولة لبنان الكبير» عاصمتها بيروت أما العلم فكان عبر دمج علمي فرنسا ولبنان وضمت بيروت مع أقضيتها وتوابعها (صيدا وصور ومرجعيون وطرابلس وعكار) والبقاع مع أقضيته الأربعة (بعلبك والبقاع وراشيا وحاصبيا) فاتسعت مساحته من 3500 كلم مربع إلى 10452 كلم مربع وازداد سكانه من 414 ألف نسمة إلى 628 ألف نسمة وفي 23 مايو 1926 أقر مجلس الممثلين الدستور وأعلن قيام الجمهورية اللبنانية لينتخب بعدها شارل دباس كأول رئيس للبنان.

ولم تعترف الحركة الوطنية السورية وممثلوها في لبنان من الزعماء السياسيين المسلمين بالكيان اللبناني وفي المفاوضات بين الحكومة الفرنسية والحركة الوطنية السورية في مطلع الثلاثينات اشترطت فرنسا أن تسلم الحركة الوطنية السورية بالكيان اللبناني لقاء توقيع معاهدة تعترف فيها فرنسا باستقلال سورية ولبنان وقبل ممثلو الحركة الوطنية هذا الشرط الأمر الذي أحدث تصدعاً في صفوف السياسيين المسلمين «الوحدويين» في لبنان وراح بعضهم «يتلبنن» مثل خيرالدين الأحدب والبعض الآخر يبحث عن صيغة للتوفيق بين ولائه القومي العربي وبين اعترافه بالكيان اللبناني مثل رياض الصلح وبشارة الخوري.

الميثاق الوطني

ومن عام 1930 إلى عام 1943 راحت «صيغة» رياض الصلح - بشارة الخوري وغيرهم من طلاب الاستقلال تتبلور إلى أن تحولت إلى ما سمي بالميثاق الوطني اللبناني وهو يقوم على معادلة تتضمن «من أجل بلوغ الاستقلال على المسيحيين أن يتنازلوا عن مطلب حماية فرنسا لهم وأن يتنازل المسلمون عن طلب الانضمام إلى الداخل السوري - العربي».

وفي بداية الحرب العالمية الثانية ازداد الوضع العسكري سوءاً أمام الفيشيين وقلت امداداتهم العسكرية وقل اهتمام هتلر بجبهة الشرق الأوسط ما اضطر الفيشيون لأن يقبلوا بشروط الحلفاء لوقف القتال والاستسلام في الثامن من يوليو 1941 وجرت مفاوضات بين الجانبين (الانجليز والفيشيين) في عكا انتهت بتوقيع اتفاقية الهدنة في 14 يوليو 1941 التي قضت بانسحاب الفيشيين من لبنان وسورية.

وبعد ذلك تسلم الفرنسيون السلطة في لبنان وسورية وحلوا مكان الفيشيين وتولى الجنرال كاترو سلطة المفوض بصفة مندوب عام لفرنسا الحرة وكان الجنرال كاترو قد وعد اللبنانيين بالاستقلال في بيانه المؤرخ في الثامن من يونيو 1941 قبل بدء الحملة العسكرية إلا أن اللبنانيين بمختلف طوائفهم احتجوا على هذا النوع من الاستقلال واعتبروه مزيفاً لأن الدستور ما زال معلقاً والفرنسيون هم الذين عينوا رئيساً للجمهورية (الفرد النقاش) واحتفظوا لأنفسهم بحق التدخل في شؤون لبنان الداخلية وعملوا على ربط البلاد بمعاهدة شبيهة بمعاهدة 1936.

ولذلك كان الاجتماع الوطني الكبير الذي عقد في بكركي في 25 ديسمبر 1941 برعاية البطريرك انطوان عريضة وفي حضور ممثلين عن مختلف الطوائف والمناطق وكان الشيخ بشارة الخوري (زعيم الكتلة الدستورية) ورياض الصلح (زعيم في الحركة الوطنية) من أبرز المحتجين على استقلال كاترو المزيف وطالب المحتجون باستقلال لبنان التام وعودة الحياة الدستورية إليه واجراء انتخابات نيابية حرة وتشكيل حكومة وطنية صحيحة.

لبنان الحر المستقل

ومع شعور اللبنانيين بأن الانتداب تحول إلى احتلال وفوز الشيخ بشارة الخوري برئاسة الجمهورية بتاريخ 21 سبتمبر 1943 وتأليف حكومة برئاسة رياض الصلح ضمت إلى الصلح كميل شمعون وحبيب أبي شهلا وعادل عسيران والامير مجيد ارسلان وسليم تقلا وأعلن الاستقلال التام وعمدت الحكومة الجديدة إلى اعتماد اتفاق غير مكتوب بين المسيحيين والمسلمين يعبر عن صيغة عيش مشترك بين اللبنانيين ضمن لبنان الحر المستقل.

وقد انبثق هذا الميثاق من خطاب بشارة الخوري ومن البيان الوزاري الذي ألقاه رياض الصلح أمام النواب والذي تضمن أربعة بنود هي «لبنان جمهورية مستقلة ترفض الحماية الأجنبية أو الانضمام إلى أي دولة عربية» وتضمن البند الثاني لبنان وطن لجميع اللبنانيين على تعدد طوائفهم ومعتقداتهم وهو جزء من العالم العربي».

وتضمن البند الثالث «لبنان موطن الحريات العامة يتمتع بها اللبنانيون على أساس المساواة» وتضمن البند الرابع «يتخلى المسلمون عن المطالبة بالوحدة أو الاتحاد مع الشرق العربي وفي المقابل يتخلى المسيحيون عن المطالبة بالحماية من الغرب الأجنبي».

واعتبر في ذلك الحين إحالة مشروع تعديل الدستور إلى المجلس النيابي تحدياً للمفوض السامي الذي علّق الدستور وأمر باعتقال رئيسي الجمهورية والحكومة وبعض الوزراء والزعماء الوطنيين أمثال عادل عسيران وكميل شمعون وعبد الحميد كرامي وسليم تقلا واحتجزهم في قلعة راشيا.

وقام رئيس مجلس النواب آنذاك صبري حمادة وبعض النواب باجتماع مصغر في بشامون جنوب بيروت وشكلوا حكومة موقتة ورفع العلم اللبناني المكون من ثلاث أقسام الاحمر في الاعلى والاسفل والابيض في الوسط حيث تتوسط الارزة الخضراء.

استقلال

وأعلن استقلال لبنان بتاريخ 22 نوفمبر 1943 وأطلق المعتقلون وتم الاعتراف به في الأول من يناير 1944 وتم جلاء القوات الفرنسية في 31 ديسمبر 1946 وفي عام 1947 انتسب لبنان إلى جامعة الدول العربية وهيئة الأمم المتحدة.

وبعد الاتفاق على صيغة بيان العيش المشترك لم تقم حكومة الاستقلال بزيارة المفوض الفرنسي كما كان متبعاً في السابق لأن ذلك يتنافى مع مفهوم الاستقلال وقد اعتبرت الحكومة المفوض سفيراً لبلاده في لبنان لذا عليه حسب البروتوكول أن يقوم هو بزيارة رئيس الحكومة للتهنئة لكن ذلك لم يحصل.

وقامت الحكومة بتحديد البيان الوزاري بدون اشراك المفوضية الفرنسية وأصدرت مذكرة بوجوب استعمال اللغة العربية فقط في الإدارات الرسمية مما عطل دور المستشارين الفرنسيين فيها فضلاً عن اقدامها على تعديل الدستور في الثامن من نوفمبر 1943 بدون موافقة الفرنسيين لانهاء الانتداب وتحقيق الاستقلال وإحالة هذا التعديل إلى المجلس النيابي لاقراره.

وأدت كل هذه الأمور مجتمعة إلى غضب الفرنسيين فأقدم هيللو في فجر 11 نوفمبر 1943 على تعليق الدستور واعتقال رئيس الجمهورية بشارة الخوري ورئيس الوزراء رياض الصلح والوزراء عادل عسيران وكميل شمعون وسليم تقلا والنائب عبد الحميد كرامي وسجنهم في قلعة راشيا وقضى القرار الذي أصدره هيللو بابطال مفعول التعديل وحل المجلس النيابي.

وفور سماع نبأ الاعتقال توافد النواب والوزيران الباقيان خارج الاعتقال حبيب ابي شهلا والأمير مجيد ارسلان إلى منزل رئيس الجمهورية فعقدوا جلسة تقرر فيها أن يُمارس حبيب ابي شهلا بصفته نائب رئيس الوزارة مهام رئيس الجمهورية وأن يشكل حكومة موقتة برئاسته يشاركه فيها الوزير مجيد ارسلان لتقوم مقام الحكومة المعتقلة بعد ذلك دعا صبري حمادة رئيس مجلس النواب في ذلك الوقت النواب إلى الاجتماع في المجلس النيابي فلم يتمكن من الحضور سوى سبعة منهم فقرروا تعديل العلم إلى شكله الحالي وأرسلوا مذكرات احتجاج إلى بعض الدول الأجنبية والعربية.

ونظراً لمضايقة الفرنسيين للنواب المجتمعين توجهوا إلى منزل صائب سلام وهناك منح النواب المجتمعون الثقة إلى حكومة أبي شهلا الموقتة وأكدوا أن الدستور ما زال قائماً رافضين بذلك اجراءات هيللو وانتقلت الحكومة الثنائية الموقتة المؤلفة من حبيب أبي شهلا ومجيد ارسلان والتي اعتبرت شرعية إلى بشامون بعد أن انضم إليها صبري حمادة وأصدرت أمراً إلى مدير مصرف سورية ولبنان وإلى أمين صندوق الخزينة بالامتناع عن صرف أي مبلغ إلا بعد موافقتها.

كما أصدرت مراسيماً تنكر شرعية اميل ادة وتأمر الموظفين بعدم اطاعته وأنشأت الحرس الوطني للدفاع عن مقر الحكومة الشرعية الموقتة بالإضافة إلى ارسالها مذكرات احتجاج إلى ممثلين الدول الكبرى والدول العربية.

الاعتراف

من جهة أخرى، عين هيللو الرئيس اميل ادة رئيساً للدولة وللحكومة وطلب منه تشكيل حكومة جديدة لكن اللبنانيين لم يتعاونوا معه واندفعوا في الشوارع غاضبين فقاموا بالمظاهرات وأعمال الشغب واصطدموا مع الفرنسيين فأضربت المدن اللبنانية إضراباً عاماً وقام الشباب الوطني بحماية التظاهرات وتنظيمها فضلاً عن اشتراك اللبنانيين طلاباً ونساء ورجال أعمال ومهن مختلفة في التعبير عن رأيهم الرافض لما يجري فكان الاستقلال الفعلي الذي أراده اللبنانيون.

وفي 22 نوفمبر 1943 اضطرت حكومة فرنسا إلى اطلاق المعتقلين والاعتراف باستقلال لبنان التام بعد صمود اللبنانين حكومة وشعباً وقد أصبح هذا اليوم عيداً للاستقلال.

ولا يمكننا التحدث عن الاستقلال من دون ذكر الجيش فمن التقاليد التي تمارس في هذه المناسبة العروض العسكرية التي تنظمها قيادة الجيش والتي تشارك فيها الألوية العسكرية كافة والقوات الجوية والبحرية والوحدات المؤللة بالإضافة إلى الدفاع المدني والصليب الأحمر وغيرها من الحركات الكشفية فتغطي سماء الاحتفال البالونات الملونة بألوان العلم اللبناني وعلم الجيش وأسراب الحمام.

وتوضع أكاليل الزهر على أضرحة رجال الاستقلال والشهداء الذين ساهموا في هذا الانجاز كما يوجه رئيس الجمهورية كلمة إلى اللبنانيين يشدد فيها على معاني هذا اليوم داعياً إلى الوحدة الوطنية والعيش المشترك.

بدورها تحتفل المدارس والمعاهد بهذا العيد الوطني حيث توزع الأعلام اللبنانية على الطلاب وينشد النشيد الوطني.

وفي ذكرى الاستقلال الـ 69 شارك محرك البحث العالمي «غوغل» اللبنانيين بعيد استقلالهم عبر تزيين موقعه بأعمدة بعلبك والعلم اللبناني وظهرت في الصورة أعمدة قلعة بعلبك ملفوفة بالعلم اللبناني مكان حرف «L» من كلمة google التي كتبت بطريقة متداخلة مع صورة للسماء.

واليوم وللمرة الأولى منذ عامين ونصف العام سيكون هناك عرض عسكري هو بشارة لعودة عجلة الدولة إلى الدوران ويعكس المشهد في طياته فتحاً لصفحة جديدة في الحياة السياسية اللبنانية والتفاهمات الوليدة وضعت إلى حد بعيد نهاية لحقبة سياسية تجاوز عمرها العقد من السنين.

والواضح أن هذه التفاهمات ستفتح الأبواب الموصودة بين المكونات السياسية محورها ضبط التناقضات التي عصفت بالبلاد طوال أعوام عدة وبالتالي الاحتكام إلى الدستور وللعمل السياسي الراقي والحضاري الذي يخدم الدولة ويخدم الانسان في هذا الوطن.

back to top