ما تشهده شوارع بعض المدن الأميركية هذه الأيام يمكن أن نطلق عليه «الربيع الأميركي» الذي يحاكي الربيع العربي، ولكنه بالتأكيد يختلف عنه في الأسلوب والنتائج والتوجه، ففي حين شهد الربيع العربي الكثير من البرق والرعد والعواصف التي أكلت الأخضر واليابس مع قتال استمر سنين، وربما سيتجاوز الزمن الذي استمرت فيه حروب «داحس والغبراء» إن لم يتم إيقافها، يأتي الربيع الأميركي احتجاجاً على تصريحات فقط... نعم تصريحات صُنِّفت على أنها عنصرية وشيء من الكراهية، ياله من فرق شاسع بين شعاراتنا ومبادئهم التي تعبر عن ديمقراطية أميركية متأصلة في هذا الشعب الحي بكل فئاته.

لم تكن مفاجأة لي فوز فخامة الرئيس المنتخب دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأميركية للسنوات الأربع المقبلة، ففي اعتقادي أن كل الدلائل كانت تشير إلى فوزه، وبفارق واسع عن المرشحة السيدة هيلاري كلينتون، التي للأسف راهن على فوزها بعض الأنظمة العربية التي أثبتت عجزها عن قراءة المشهد الأميركي، فطغت الأمنيات على الواقع.

Ad

لعل فوز «ترامب» له رسائل متعددة سواء في الداخل الأميركي الذي يأمل أن يشهد الاقتصاد طفرة غير مسبوقة وغيرها من رسائل يدرك المواطن الأميركي أبعادها، وهو الأقدر على تقييمها، ما يهمنا هو الرسالة الواضحة الموجهة إلى العالم العربي بشكل عام ودول مجلس التعاون الخليجي، بشكل خاص، ومفادها أن الشعوب مهما صبرت وطال بها الزمن ومهما كان نوع نظامها فإنها تسعى إلى تغيير بعض نمط الحياة التي تعيشها، فالأجيال التي تعيش عالم اليوم غير تلك الأجيال التي عاشت في العقود الغابرة، أجيال اليوم تتطلع إلى التطور لمسايرة عالم يتطور على مدار الساعة، وفي كل المجالات، ولاسيما في عالم التكنولوجيا، لن تستطيع هذه الأجيال - حتى لو أرادت - أن تسير على مناهجَ خطّها الأجداد في زمن الكتاتيب، أجيال تتطلع إلى التغيير لمسايرة العالم في تطوره، خصوصاً أن هناك آلافاً من الشباب الذين عاشوا وتلقوا تعليمهم في أميركا والدول الغربية، وعايشوا ما وصلت إليه من حضارة في حين اقتصر تطورنا على أبواق الإعلام، بما يمثله من كيل المديح على مدى ساعات اليوم... فهل نستوعب مغزى التغيير الأميركي؟

من ناحية أخرى، فإن الرئيس المنتخب لا يملك العصا السحرية لحل مشاكل عالمنا العربي التي غاصت في الأعماق وتجذرت في النفوس، ولكن ذلك لا يمنع أن نحاول قراءة بعض القادم من الأيام ورؤية المستقبل المنظور، ففي المأساة السورية في اعتقادي أن الإدارة الأميركية الجديدة ستحاول جاهدة تحييد أو إبعاد الدور العربي وحل المأساة السورية بالتعاون مع روسيا وإيران وإنهاء ما يسمى بـ»المعارضة المعتدلة» أو العوجاء والقضاء على الجماعات المسلحة، ومن هذا المنطلق ستشهد سورية مفاوضات جادة ستؤدي بالضرورة إلى عودة الأمن والسلام إلى ذلك البلد العزيز، ولن تكون الساحة اليمنية بعيدة عن هذا السيناريو، وقد تسحب الإدارة الجديدة اعترافها بالحكومة اليمنية الشرعية، وفي اعتقادي أن الإدارة الأميركية الجديدة لن تكتفي بالدبلوماسية والنصح في تعاملها مع حلفائها كما كانت الإدارة السابقة، بل ستلجأ أحياناً إلى إجراءات قد لا تستطيع دولنا تحملها، ولعل قانون «جاستا» بدايتها، أما «داعش» فستقوم الإدارة الجديدة بحصره بين فكي كماشة، ما بين الجيش السوري والجيش العراقي، بدعم تام من التحالف الدولي، ولعل الساحة الليبية لن تكون بعيدة عن ذلك.

أما بالنسبة للقضية الفلسطينية، ففي اعتقادي أن هناك فرصة أمام القيادة الفلسطينية لاستثمار العلاقة المتميزة بين الرئيس المنتخب ترامب ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو لتحقيق حلم الفلسطينيين بإقامة دولتهم المستقلة بعيداً عن الخلافات العربية، حيث قامت بعض الأنظمة العربية باستغلال القضية الفلسطينية.

لا أدعي أنني أعلم الغيب أو أقرأ الفنجان، ولكن الأوضاع في منطقتنا غدت مصدر قلق وعدم استقرار للعالم بأسره، بالتأكيد لن تكون الحلول بهذه البساطة، وقد تأخذ وقتاً ليس بالقليل، ولكنها ستصل في النهاية إلى ما طرحناه أو بعضه.

حفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.