جعل الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب من صناعة الفحم، أحد أسس حملته الانتخابية، وحرص على إقامة مهرجانات خطابية ودعائية مع عمال المناجم بغية كسب تأييدهم، لكن بعد أن طرح وعوداً سخية، سيكون ربما من الصعوبة عليه بمكان الوفاء بها.وترامب، وفق تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز أخيراً، ركز على إثارة حماسة العمال بقوله، إنهم تعرضوا إلى إهمال من جانب إدارة سلفه باراك أوباما طوال ثمانية أعوام. وهذه الاستراتيجية أتت أُكلها فعلاً بالنسبة لترامب، الذي حصد نتيجة لافتة في ولايتي بنسلفانيا وأوهايو.
لكن يتعين على ترامب في المرحلة المقبلة، أن يجهد للتغلب على التحديات التي سوف تواجه إدارته بشأن تنفيذ الوعود العديدة التي قطعها على نفسه حول استعادة النمو في مختلف قطاعات الاقتصاد الأميركي، وسط مؤشرات متزايدة على انكماش في ميادين الطلب والإنتاج في الأسواق العالمية، وأنباء عن قرارات سوف تصدر بإنهاء خدمات الآلاف من العمال في كبريات الشركات الصناعية والمؤسسات المالية.
المخاوف البيئية
وحسب تقرير الصحيفة، فإن صناعة الفحم في الولايات المتحدة والوظائف التي تدعمها، كانت في تراجع استمر طوال عقود من الزمن بسبب المخاوف البيئية والأتمتة في التعدين والتباطؤ في الصناعات التي تستخدم الفحم بصورة أساسية.وفي الوقت الراهن، أصبح الفحم تحت رحمة اقتصاد السوق، في حين يواجه كذلك منافسة حادة من جانب الغاز الطبيعي الأرخص ثمناً والصديق للبيئة، الذي قد يصبح أكثر قبولاً وشعبية في عهد الرئيس الأميركي الجديد، فضلاً عن أن التخفيف المحتمل للقيود المفروضة على بناء خطوط أنابيب للغاز الطبيعي، والقوانين المتعلقة باستكشافه وإنتاجه سوف تفضي إلى طرح المزيد منه في الأسواق خلال الفترة المقبلة.وعلى الرغم من الزيادة التي شهدتها أسعار الفحم في الآونة الأخيرة، فإنها كانت في مسار هابط طوال سنوات، كما أن أسعار الغاز الطبيعي هبطت بنسبة أكبر إلى حد كبير.الحد من المنافسة
والهبوط الطويل في صناعة الفحم، وفق الصحيفة، يرجع إلى ما قبل عهد أوباما عام 2009، وقد قلص الانهيار الذي شهدته صناعة الصلب في الولايات المتحدة منذ أواخر القرن العشرين الطلب على الفحم.لكن قد يكون من الصعب الحد من المنافسة، التي يطرحها الغاز الطبيعي بقوة غير مسبوقة، كما أن ازدهار التكسير الهيدروليكي في حقول الزيت الصخري، الذي بدأ قبل عقد من الزمن قد أغرق الأسواق بالغاز الطبيعي الرخيص، الذي يستمر في قضم حصة الفحم في السوق.وعلى سبيل المثال، كان الفحم حتى سنة 2008 يشكل مصدراً لحوالي 50 في المئة من الكهرباء المولدة في الولايات المتحدة، لكنه انخفض الآن الى 30 في المئة تقريباً.ويقول سكوت شيفيلد الرئيس التنفيذي لشركة بايونير ناتشورال ريسورسز، وهي منتجة رئيسية للنفط والغاز، وصوّت لترامب: «هناك الكثير من الغاز في الولايات المتحدة وسوف يخفض ذلك أسعاره بكل تأكيد».وتفسر الصورة القاتمة للفحم تردد البعض من رؤساء الصناعة في التعليق على كيفية مساعدة رئاسة ترامب لشركاتهم: بأنهم يحرصون على عدم إثارة آمال زائفة بين عمالهم، كما أن العديد منهم يترددون في تكرار مجادلات الصناعة السابقة، التي تقول، إن تغير المناخ ليس أكثر من خدعة، وبدلاً من ذلك قد يفضل منتجو الفحم الحصول على حوافز ضريبية من أجل دعم التحسينات البيئية في المصانع، التي تستخدم الفحم على شكل طريقة لضمان استمرار هذه المادة في الأجل الطويل ولفترة تتجاوز رئاسة ترامب.فرص العمل
ثمة عامل أساسي آخر أبعد من تراجع الطلب على الفحم فيما يتعلق بفرص العمل في هذه الصناعة، التي بلغت ذروتها قبل عدة عقود، ويتمثل في الأتمتة، حيث توجد في صناعة الفحم حالياً ما يزيد على 50000 وظيفة فقط، بينما كان الرقم أكثر من 250000 في سنة 1980.ويقول تقرير «نيويورك تايمز»، إن تنفيذيي شركات الفحم كانوا يأملون قبل سنوات قليلة، أن تسهم صادرات الفحم – التي تشكل 8 في المئة من الإنتاج الوطني – في تحقيق مزيد من الازدهار في هذا الميدان نتيجة التطور الاقتصادي في الصين والدول النامية، لكن الصادرات وصلت الى ذروتها سنة 2012، وقد أفضى التباطؤ الاقتصادي في العالم النامي إضافة إلى المخاوف المتعلقة بالتلوث منذ ذلك الوقت الى خفض الطلب على الفحم بصورة كبيرة.