حقق رئيس الحكومة الفرنسي السابق فرانسوا فيون المحافط جدا مفاجأة مزدوجة، أولا بفوزه بفارق مريح على منافسيه في الدورة الأولى من انتخابات أحزاب يمين الوسط، رئيس الحكومة السابق آلان جوبيه ورئيس الجمهورية السابق نيكولا ساركوزي، وثانياً بأنه أصبح الأوفر حظا بالفوز في الدورة الثانية على عكس الاحتمالات التي كانت تظهر أن الناخب الوسطي سينحاز الى جوبيه. وعلى الأثر، أقر ساركوزي بهزيمته، معلنا انسحابه من الحياة السياسية.وبعد أن ظل في أدنى سلم توقعات استطلاعات الرأي، حل هذا الرجل البالغ من العمر 62 عاما ذو الملامح الرصينة في الطليعة الأحد، بحصوله على 44 في المئة من الأصوات في مواجهة رئيس الوزراء السابق آلان جوبيه الذي نال اقل من 29 في المئة.
والحق فيون الذي وعد "ببديل كامل"، هزيمة مدوية بالرئيس السابق نيكولا ساركوزي، بعدما كان رئيس حكومته بين 2007 و2012. وتقدم أيضا على آلان جوبيه (71 عاما) رئيس الوزراء في حكم الرئيس جاك شيراك من 1995 حتى 1997 والذي كانت تشير كل استطلاعات الرأي قبل الدورة الأولى الى فوزه. وبالتالي أصبح في موقع جدي لخوض الانتخابات الرئاسية في ربيع 2017.
لوبن تشكر اللبنانيين؟
بينما كان يمين الوسط يحاول فهم المفاجأة التي أحدثها فوز فرانسوا فيون في الدورة الأولى من انتخاباته التمهيدية، كانت المرشحة الرئاسية مارين لوبن، زعيمة حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف تزور السفارة اللبنانية في باريس، مشيدة باستقبال حافل أعد لها هناك. وعلى سبيل النكتة، تساءل مراقبون إذا كانت زيارة لوبن هي لشكر اللبنانيين، بعد اعتراف رجل الأعمال اللبناني/ الفرنسي زياد تقي الدين قبل أيام بشكل صريح ومباشر بنقله أموالا من نظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي إلى الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، لتمويل حملته الانتخابية عام 2007. ويرى البعض أن فوز ساركوزي ربما كان سيزعج المرشحة اليمينية المتطرفة أكثر من فيون أو آلان جوبيه، لكونه حاول المزايدة عليها في الأفكار اليمينية.
وتفيد استطلاعات الرأي الحالية بأن اليسار الحاكم والمشتت يمكن أن يهزم من الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية التي ستجرى في أبريل 2017، وسيفسح المجال بذلك لدورة ثانية بين مرشح يمين الوسط وزعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن رئيسة حزب "الجبهة الوطنية".وترجح الاستطلاعات فوز مرشح اليمين، إلا إذا كذبها الناخبون بإحداث مفاجأة، كما حصل بالنسبة إلى انتصار الجمهوري دونالد ترامب المفاجئ في الاقتراع الرئاسي الأميركي وتصويت البريطانيين على الخروج من الاتحاد الأوروبي، ما يدفع الى التزام الحذر.وكتبت صحيفة "ليزيكو" الاقتصادية، أمس، أن "الفصل الأول من الانتخابات الرئاسية يبدأ بجو متوتر من رفض المنتهية ولايتهم ورغبة جامحة في إحباط كل السيناريوهات المعدة مسبقا".وقال فيون أمس الأول إن "زخما قويا قد انطلق"، بعد أن نال دعم عدة شخصيات في الحزب، بدءا بنيكولا ساركوزي.وأظهر استطلاع للرأي نشره معهد "اوبينيونواي" مساء الأحد أن فيون سيفوز في الدورة الثانية بنسبة 54 في المئة متقدما على جوبيه (46 في المئة).وقالت رئيسة منطقة باريس وضواحيها، فاليري بيكريس، المؤيدة لجوبيه: "سنرى ما سيحصل هذا الأسبوع حين تطرح البرامج فعليا، وقد يعيد الفرنسيون النظر في قراراتهم".وسبق أن وعد جوبيه بـ "معركة يقدم فيها مشروعا مقابل كل مشروع" مع فيون الذي هاجم برنامجه في وقت متأخر من الحملة. وسيتواجهان في مناظرة تلفزيونية أخيرة مساء الخميس.وفيون الذي لم يخف إعجابه بالمرأة الحديدية في بريطانيا مارغريت ثاتشر، يحمل مشروعا ليبيراليا جدا على الصعيد الاقتصادي، يشمل إلغاء نصف مليون وظيفة وخفضا في المساعدات الاجتماعية.ورد رئيس الوزراء الأسبق جان بيار رافاران المؤيد لجوبيه بأنه "لن يتمكن من تطبيق" هذا البرنامج، معترضا على فكرة قضاء 5 سنوات في السلطة من دون توظيف في القطاع العام، لاسيما في المستشفيات وجهازي الدرك والشرطة.لكن فيون الكاثوليكي المحافظ والأب لخمسة أطفال، عرف كيف يستفيد في الشق الاجتماعي "من المواضيع المحافظة التي أعطته دفعا"، معوضا بذلك عن مواضيعه الاقتصادية التي لا تحقق له سوى "نجاح محدود"، كما حللت صحيفة "لوفيغارو" بعد فوزه الساحق.فقد أبدى تأييده لتجريد فرنسيين يتوجهون الى الجهاد من جنسيتهم، وتحديد حصص سنوية للمهاجرين، وتعديل القانون الذي يمهد الطريق أمام زواج مثليي الجنس.ويدعو الى فرنسا قوية "تترأس حركة تجمع الأوروبيين بشكل أفضل حول مسائل الأمن" ويرغب بتوسيع التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية، ويدعو الى مراجعة العلاقات مع روسيا، معتبرا ان الغرب يجب ان يتعامل معها "كما هي فعليا، على أنها دولة عظمى".لكن في معسكر جوبيه، كما في اليسار، هناك البعض الذين يعتبرون أن نجاحه غير المتوقع مرتبط بشخصه اكثر مما هو على علاقة ببرنامجه "الذي لا يعرفه الفرنسيون"، كما قال بنوا ابارو الذي كان وزير دولة في حكومة فيون.وفي مطلق الأحوال، فإن فيون يستفيد من صورة مسؤول نزيه لم يكن ضالعا أبدا في ملفات قضائية خلافا لمنافسيه الاثنين في الدورة الأولى لليمين.وبدأ اليسار وحزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف توجيه ضرباتهم الى فيون. وقال سكرتير الدولة المكلف العلاقات مع البرلمان جان ماري لوغان إنه من أتباع تيار "يميل الى فرض مبادئ ثاتشرية على اليمين". أما دافيد راشلين مدير حملة المرشحة اليمينية المتطرفة مارين لوبن فقد دان "برنامجا اقتصاديا متهورا".هل يكرر إعلام فرنسا خطأ نظيريه البريطاني والأميركي؟
فجر فرانسوا فيون مفاجأة في فرنسا بتقدمه على ألان جوبيه ونيكولا ساركوزي. وشكل هذا الفوز هزيمة للإعلام الفرنسي المنحاز بمعظمه لجوبيه الذي بات مطروحاً كمرشح وسطي بين اليمين واليسار. ولكن خطيئة الإعلام الفرنسي لا تنحصر هنا، ففور الاعلان عن النتائج النهائية للدورة الاولى من الانتخابات التمهيدية ليمين الوسط، سارع الإعلام الى تنصيب فيون رئيساً، مقللا من قدرة مرشحة أقصى اليمين زعيمة حزب "الجبهة الوطنية" مارين لوبن في الفوز بالدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية. ويبدو أن الاعلام الفرنسي لم يتعلم الدورس من الاعلام البريطاني الذي رسب في امتحان "البريكست" والإعلام الأميركي الذي رسب في امتحان دونالد ترامب، وربما سيسقط بدوره في امتحان لوبن.