«فرضاً إنو»... لعبة وهمية خيوطها درامية كوميدية لا نهاية لها

تُعرض على خشبة مسرح «مونو» في بيروت

نشر في 23-11-2016
آخر تحديث 23-11-2016 | 00:04
في فضاء مسرحي لا ينفصل عن فضاء الحياة في الواقع، وفي لحظة عابرة في الزمن غير محددة، تدور أحداث مسرحية «فرضاً إنو» للمخرج جاك مارون، التي تستل من الوهم مشاهد وتسقطها على الواقع من خلال رجلين لا يعرف أيٌّ منهما الآخر، وظّفتهما جهة مجهولة، يلتقيان في مكان مجهول، لتسلم شحنة محتويات غير معروفة، والقيام بعملية ما لا يعرفان شيئاً عنها.
تتمحور مسرحية «فرضاً إنو» التي تعرض على خشبة مسرح «مونو» في بيروت حول مسؤول عن مستودع (غابريال يمين) وموظف يُدعى «راضي» (طلال الجردي) يقصد المستودع لتنفيذ مهمة.

منذ المشهد الأول، يسود غموض معين أجواء المسرحية، ويترقب المشاهد مآل الحوار الدائر بين الشخصيتين على المسرح، وسرعان ما يجد نفسه منجرفاً بطريقة واعية أو لاواعية في خضم هذه الدوامة التي لا يعرف متى انطلقت وأين وكيف ستنتهي، إلى أن تبرز في ختام المسرحية حقيقة واحدة معروفة وهي قتلهما بالرصاص...

على مدى الوقت الذي تستغرقه المسرحية، تسيطر الأسئلة والأجوبة الغامضة في المواجهة مع بعضهما البعض بمحض المصادفة وبمعزل عن إرادتهما، فيحاولان التكيّف مع واقع مفترض، ويصل بهما الأمر في لحظة معينة إلى الاعتقاد بأن وجودهما بحدّ ذاته قد يكون مفترضاً، وحقيقتهما الإنسانية مفترضة... وهذا أمر ليس بعيداً عن أي شخص، فكثيراً ما تتألب الأحداث وتتعقد حتى يخال أن عالمه بات «فرضاً إنو».

فرضيات وأسئلة

وسط ديكور يرمز إلى مستودع للبضاعة، وإضاءة تضفي مزيداً من الظلمة على المكان، يدور حوار بدأ في اللحظة الأولى لانطلاق المسرحية وانتهى في ختامها، بدايته معروفة لكن نهايته بقيت معلقة في محاولة من الكاتب غابريال يمين والمخرج جاك مارون لترك الحرية للمتفرّج في استنتاج الخاتمة التي يريدها. فالمسرحية التي كتبها الأميركي آلن آركن واقتبسها يمين إلى العربية، هي مجموعة فرضيات، لذا كانت الأسئلة هي الغالبة على الحوار، فالسؤال يُردّ عليه بسؤال أو بجواب واحد «فرضاً إنو».

هكذا تستمرّ اللعبة على المسرح تماماً كما هي في الحياة، وسرعان ما يتحوّل «فرضاً إنو» إلى حقيقة، فيؤكد الموظف أنه يمسك بيده هذا الغرض أو ذاك فيما في الحقيقة يداه فارغتان، ويؤكد المسؤول عن المستودع أن هذه الأغراض واردة في البيان المرفق مع البضاعة، هكذا تتوالى المواقف مع كل غرض وهمي يُرفع من الصندوق بهدف ملء الوقت المتبقي لوصول الشحنة الحقيقية.

شيئاً فشيئاً ومع توالي الحوار يندمج «راضي» في اللعبة، ويشغّل مخيلته ويروح يتصوّر أن في الصناديق التي ستصل قريباً: أقنعة مضادة للغازات السامة، بطانيات، قناديل مع إنارة خفيفة، أسلحة خفيفة، وجوازا سفر عليهما صورتا راضي والمسؤول. وهنا يصرخ «راضي» ويهاجم المسؤول ويحاول خنقه بقوة، لكن رصاص قنص يستهدفهما، ويسقطان جثتين هامدتين.

تتنقل المسرحية بين خيوط درامية وأخرى كوميدية، وترتفع وتيرة المشاحنات بين الرجلين والشتائم المتبادلة التي يتخللها كلام بذيء كان من الأفضل لو أنه لم يرد على لسانهما كونه لم يؤثر في مجرى الأحداث... صحيح أن البعض عندما يجد نفسه في مواقف معينة غامضة أو تسيطر الحيرة عليها، يفقد السيطرة على نفسه ويتفوّه بكلام مبتذل، لكن لم يكن له في المسرحية دور سوى أنه أثار الضحك.

أداء متقن

غابريال يمين وطلال الجردي، ممثلان لهما باع طويل مع خشبة المسرح وبرز ذلك واضحاً في حركتهما، وتُحسب لهما كثيراً سيطرتهما على انتباه الجمهور طيلة فترة العرض، نظراً إلى إتقانهما دوريهما إلى درجة كاد معها الجمهور يصدق أن الواقفين أمامه هما فعلا المسؤول عن المستودع والموظف.

في معظم أعماله، لا يستند المخرج جاك مارون إلى الديكور لملء فضاء المسرح بل إلى قدرات الممثلين، وفي «فرضاً إنو» نجح يمين وجردي في جعل الخشبة كتلة حياة تنبض على وقع حركاتهما التي وظفا فيها حواسهما كافة، وأجادا في مرافقة الإيقاع السريع للأحداث واندمجا في أدائهما مع بعضهما البعض، إنما من دون أن يطغى أحدهما على الآخر، أو يلغي أحدهما الآخر، بل تقاسما موازين القوى، وبدا كل واحد منهما يكمل الآخر نظراً إلى التجانس بينهما من ناحية القدرة التمثيلية.

تكمن أهمية المسرحية والفكرة التي تطرحها في أنها تعكس واقعاً لم يعد قائماً على ثوابت بل مجرد فرضيات قد تؤدي في النهاية إلى اغتيال الطموح والحلم، وقد تدفع إلى اليأس من حياة قائمة على الفرضيات، وهذا ما يمكن اختباره يومياً...

نبذة

-آلان أركن، ممثل، ومخرج، وكاتب تردد اسمه في حفلات توزيع الأوسكار، ولد عام 1934 في بروكلين في نيويورك. بدأ مسيرته بالغناء مع مجموعات موسيقية (1950- 1960)، ثم تحوّل اهتمامه إلى التمثيل. شارك في أكثر من مئة فيلم بين السينما والتلفزيون، ورُشح لنيل جائزة الأوسكار عن فئة أفضل ممثل عن فيلمي The Russian are coming وThe heart is a lonely hunter. عام 2007 فاز بجائزة أفضل دور ثانٍ في الأوسكار عن فيلم Little Miss Sunshine.

-غبريال يمين، مخرج، ومؤلف، وممثل وأستاذ جامعي يعمل في الدراما منذ أكثر من 35 سنة، في المسرح والتلفزيون والسينما. آخر أعماله فيلم Nuts مع هنري بارجيس المتوقع إطلاقه بداية 2017.

-طلال الجردي، ممثل لبناني نال شهرة واسعة في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط. أدى دور البطولة في مسرحيات ومسلسلات وأفلام سينمائية. عام 2002، فاز بجائزة «موركس دور» كأفضل ممثل عن دوره في فيلم «لما حكيت مريم». درس التمثيل في الجامعة اللبنانية الأميركية وفي «ستايت يونفرسيتي» في نيويورك.

-جاك مارون: ممثل ومخرج مسرحي ومنتج، ولد في بيروت وتخرّج في جامعة تكساس وفي The Actor Studio Drama School في نيويورك، حيث حاز ماجيستيراً في الفنون الجميلة. في يونيو 2011 أسس محترف الممثلين في بيروت، وهو مركز تواصل وتدريب لممثلين محترفين وغير محترفين.

غابريال يمين وطلال الجردي نجحا في جعل الخشبة كتلة حياة تنبض على وقع حركاتهما

المخرج جاك مارون لا يستند إلى الديكور لملء فضاء المسرح بل إلى قدرات الممثلين
back to top