ربما المصادفة وحدها زامنت بين افتتاح معرض الكويت للكتاب في دورته الـ 41، صباح الأربعاء 16 الجاري، وبين احتدام الحملة الانتخابية لمجلس الأمة.

فمن خلال مسيرة طويلة لمعرض الكتاب، كونه أحد المناسبات الأهم للثقافة في الكويت، فقد كان على الدوام غائبا عن مجلس الأمة، باستثناء اعتراضات بعض السادة أعضاء المجلس على انفتاح معرض الكتاب، وبما يشكل مفارقة صارخة!

Ad

فبيت الديمقراطية يقف إلى جانب المنع والتضييق على حرية الكاتب والكتاب. وأنا هنا لا أتكلم عن كتاب يمس الذات الإلهية، أو يتعرض بالتجريح للذات الأميرية، أو يمس الأديان، أو الوحدة الوطنية، فهذه أمور متفق على نبذها والوقوف في وجهها. لكن أتكلم عن كتاب إبداعي في الشعر أو القصة أو الرواية أو المسرح أو غيرها. كتاب بات في متناول الجميع عبر محركات البحث، وعبر مواقع بيع الكتب القادرة على تأمين الكتاب للقارئ، أينما كان، خلال 48 ساعة من طلبه. ولا يزال حاضرا في أذهان المثقفين الكويتيين الثمن الباهظ الذي دفعه وزير الإعلام السابق المرحوم الشيخ سعود الصباح، مقابل سماحه بالفسح عن بعض الكتب في معرض الكتاب، والتي لم تكن تتعارض مع أي من الثوابت، ذاك السماح والسماحة الديمقراطية، اضطرت الرجل إلى ترك كرسي الوزارة مجبرا، نتيجة استجواب سياسي تحجج بمعرض الكتاب.

معرض الكويت للكتاب، الذي افتتحت دورته الأولى عام 1975، ليكون ثاني معرض كتاب في الوطن العربي، ليس له حضور، إلا ما ندر، لا هو ولا الكتاب ولا الكاتب على أجندة السادة أعضاء مجلس الأمة، لا في حملاتهم الانتخابية، ولا في حال انعقاد جلسات المجلس. وهذا ربما يشكّل مؤشراً واضحاً ودالاً على أمرين؛ الأول أن الثقافة عامة لا تشكل أولوية للسادة أعضاء مجلس الأمة، والثاني أن الثقافة لا تشكل أولوية لدى عدد لا بأس به من الناخبين الكويتيين، بحيث يجبرون عضو مجلس الأمة على الاعتراف بها والسعي لتأكيدها وتطويها.

من زار معرض الكويت للكتاب فمؤكد أنه شاهد الأعداد الكبيرة من الزائرين، بمختلف فئات أعمارهم وتوجهاتهم، وربما انتبه إلى أن الشباب، فتيات وشبانا، باتوا يشكّلون الفئة الأكثر حضوراً ونشاطاً في المعرض، سواء على مستوى المتسوقين أو الناشرين أو الكُتاب، وهذه دلالة مهمة ومفرحة، علما أن اتفاقا سرى بين الناشرين والكتّاب لمعرض هذا العام بانفراجه صغيرة تجاه عدم تشدد وتضييق الرقابة على كتب المعرض. مع التمني بإلغاء الرقابة المتسلطة على الأعمال الأدبية، إلا ما تستوجبه الضرورة، وذلك أسوة بمعارض الكتب العربية.

ما أود الإشارة إليه هنا هو الاستغراب الممزوج بالألم أن تغيب هذه التظاهرة الثقافية عن مقار المرشحين وأطروحاتهم واهتماماتهم، وكأنها غير موجودة. أن يغيب معرض الكتاب والكتاب والكاتب عن ندوات السادة المرشحين، فاهتمامات المرشحين وصلت لعوالم كرة القدم، ولا اعتراض أبدا على ذلك، لكن هل يُعقل أن يبقى الكتاب والثقافة والمثقف مُبعدين أو مستبعدين، وأين تراها مساءلة الناخب؟

العالم يسير منطلقاً بالعلم والمعرفة والآداب والفنون، ولا العلم ولا المعرفة ولا الآداب مطروحة على جدول ندوات المرشحين، ومؤكد أن هذا يشير إشارة واضحة إلى انشغالنا بالشأن السياسي والاجتماعي والاقتصادي اليومي والعارض، على حساب الفكر والثقافة والفنون.

حضرة صاحب السمو افتتح شخصيا مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، وكم يحمل ذلك من دلالة رائعة بقيمة الفكر والثقافة والفنون لدى سموه. وليت شيئاً من الاهتمام بها يلوح في أجندة السادة المرشحين، أو ينتقل إلى جلسات مجلس الأمة، وساعتها ستتغير حال الثقافة والمثقف وتالياً المجتمع.