تتصدّر منطقتا الذاكرة والاعترافات الأولوية في «أرجوحة حديدية» بقلم الروائية الدكتورة عائشة عبد الله العليلي، إذ جعلت منهما الآلية الرئيسة في إدارة أسلوب المحكي، من ثم توليد عدد لامتناه من العلاقات الإرجاعية لشخصيات الرواية.

الشخصيتان الرئيستان في العمل هما الأم وابنتها «ريم»، وتشكلان البؤرة التي ينطلق منها السرد، ومن خلالهما تتمظهر ملامح الشخصيات الأخرى، ثم استكشاف مع تتابع الأحداث ما هو مستجلياً وما كان مستوراً منها.

Ad

سر دفين

على المستوى النصي، تبدأ الرواية من نقطة قريبة من النهاية بمشهد فتاة تقبع في المستشفى في حالة شبه فقدان للذاكرة، وتنتهي في نقطة متقدمة على هذه البداية- النهاية تتمثّل في شفاء الفتاة من مرض نفسي كانت تعانيه. ويتابع القارئ بين النقطتين مجموعة من الأحداث المختارة لتأثيث المشهد الروائي، فيكتشف خلالها الأسباب التي أوصلت «ريم» إلى تلقي العلاج في المستشفى بعدما اكتشفت عائلتها مرضها وهو ما يدعى في علم النفس باضطراب ثنائي القطب، أو الهوس الاكتئابي.

أدخل هذا الداء ريم في دوامة من الاكتئاب لأيام عدة وسيطر عليها الهوس والهيجان لأيام أخرى. حتى أنه راح يتفاقم في مخيلتها ووصل بها آخر المشوار إلى الشك في تصرفات أمها، بل اتهامها بخيانة زوجها، أي والد ريم، بعدما رأت الأخيرة زائراً غريباً يدخل بيت العائلة.

يمثّل هذا الزائر السّر الدفين الذي أخفته الأم عن زوجها وعن فتياتها الثلاث وعن صديقاتها سنين طويلة، وكانت ريم لا تعلم أن أمها تملك سّراً لا يمكنها فضحه لشعورها بالخجل من مخلفاته.

تقدم الرواية كماً كبيراً من ثقافة التحليل النفسي، التي هي بلا شك تعكس ثقافة صاحبتها، وموقعها الاجتماعي، وتمظهر ذلك من خلال المضمون ومن خلال كم هائل من عبارات ومفردات تحلّل تصرفات الشخصيات وتفسرها وتأولها.

وبهذه المواصفات تشكّل «أرجوحة حديدية» درساً في التحليل النفسي، جمعت فيه الروائية عائشة العليلي بين دوري المعالج والأديب معاً، فعكست براعة في القص ومتعة في التحليل. واستحقت القراءة.

من أجواء الرواية نقرأ:

»... صرت ضحية لعبة لعبتها ووقعت في شباكها. أعلم أنه ليس عليّ أن ألوم نفسي على ما حدث، فقد كنت مريضة تلك الفترة، وكنت أحتاج إلى تدخُّل طبي. ولكن بعد كل ما خلفته في قلب أمي من حسرة، أرفض الآن أن أترك دوائي يوماً واحداً. ومع كل حبة آخذها، أدعو طالبة أن يسامحني والدي على ما فعلته في قلبه؛ فقد هدمت بنيان حبه وولائه لعائلته، وحطمت الثقة التي تجمعه بأم أولاده، وجعلت هواجس طيش أفكاري المريضة تتلاعب بقلبه الطاهر. (...) على الرغم من كل ما فعلته في عائلتي، فإن عائلتي ما زالت تعاملني بإحسان. فقد أخفت أمر مرضي عن الجميع، وقالت إنني أُصبت بوعكة صحية في معدتي. لم يتخل أحد عني، وأصبحت أكثر قرباً من خالتي موزة، فهي أكثرهم فهماً لما أشعر به. جاء ابن خالي صاحب الشامة ليخطبني، فلم تخبره والدتي بأن ابنتها تعاني مرضاً نفسيّاً، وقالت إنه لا داعي ليعلم الجميع أسرار منزلنا«.