يكفي أن نذكر إجهاد ما بعد الصدمة كي يفكّر معظم الناس تلقائياً بالمحاربين القدامى. تكون هذه الفئة من الناس أكثر عرضة لهذا الاضطراب لكن تثبت الأبحاث أن الراشدين الأكبر سناً، لا سيما الرجال منهم، يكونون معرّضين للمشكلة أيضاً.

يتشكل إجهاد ما بعد الصدمة وضع منهِكاً ويمكن أن يصيب الناس الذين اختبروا كارثة طبيعية أو حرباً أو عملاً إرهابياً أو حادثاً خطيراً أو اعتداءً شخصياً عنيفاً أو حدثاً صادماً من هذا النوع.

Ad

أجرت وزارة شؤون المحاربين القدامى الأميركية بحثاً عن هذا الموضوع فتبيّن أن 70% من الناس في عمر الخامسة والستين وما فوق يتعرّضون لحدث صادم على الأقل خلال حياتهم. يمكن أن تزيد نسبة الخطر بسبب ضغوط شائعة أخرى مرتبطة بالسن مثل التقاعد وزيادة المشاكل الصحية والتراجع المعرفي ووفاة الشريك أو أحد الأصدقاء فجأةً أو مشاكل أخرى في الحياة.

تقول الدكتورة أندريا روبرتس، باحثة مساعِدة في كلية «هارفارد تي. إتش. تشان للصحة العامة»: «قد ينعكس بعض أعراض إجهاد ما بعد الصدمة على نوعية الحياة بدرجة كبيرة. تتعلق المشكلة الأساسية بإصابة الكثيرين بهذا الإجهاد من دون أن يعرفوا ذلك. يعاني حوالى سبعة ملايين شخص في الولايات المتحدة من هذا الاضطراب، لكن يتلقى 50% منهم فقط العلاج».

أهم المؤشرات

يصعب تشخيص إجهاد ما بعد الصدمة عموماً بسبب تداخل عدد من أعراضه مع الاكتئاب. يتعلق سبب شائع لدى كبار السن بموت شخص مقرّب منهم.

تبرز عوامل مؤثرة أخرى مثل الأمراض أو الإصابات كتلك المرتبطة بحوادث السقوط. اكتشفت دراسة نُشرت في عام 2014 في مجلة «مستشفى الطب النفسي العام» أن 27% من الناس الذين يختبرون حادثة سقوط حادة بعد عمر الخامسة والستين يواجهون أعراض إجهاد ما بعد الصدمة خلال الأيام التي تلي الحادث.

قد يبدي الناس أيضاً ردة فعل متأخرة على حدث صادم. توضح روبرتس: «قد لا يختبرون أي أعراض لفترة طويلة يمكن أن تصل إلى سنوات عدة. وقد تتجدد الأعراض لاحقاً حين تحصل ظروف تُذكّرهم بالحادث مثل مواجهة صدمة مشابهة، حتى لو كانت خفيفة نسبياً».

تكون التحذيرات أكثر سلاسة أحياناً. قد تختبر ما تسمّيه الدكتورة روبرتس «خدراً عاطفياً»، فلا تشعر بأي نوع من العاطفة في بعض الظروف مثل زيارة العائلة أو المشاركة في نشاط ممتع. لن تشعر بالمتعة أو الحب أو الغضب: ستتبخّر العواطف كلها»!

آثار جسدية

لم تركّز أبحاث كثيرة على الأثر الصحي لإجهاد ما بعد الصدمة لدى كبار السن لكن تقول روبرتس إن الدراسات الأولية التي جرت على راشدين أصغر سناً اكتشفت أن ذلك الاضطراب قد يزيد احتمال زيادة الوزن والسكري وأمراض القلب والأوعية الدموية وبعض أنواع السرطان. لكن مع التقدم في السن، قد تصبح أكثر عرضة لهذه المشاكل، لذا يزيد تأثير الخطر المرتبط بإجهاد ما بعد الصدمة.

نُشرت دراسة على موقع «مجلة جمعية القلب الأميركية» بعدما راقبت مجموعة من الرجال الأكبر سناً، فاكتشفت أن إجهاد ما بعد الصدمة قد يُضعِف الأوعية الدموية ويخفف قدرتها على التمدد، ما يزيد خطر النوبات القلبية والجلطات الدماغية. قارن الباحثون بين المحاربين القدامى المصابين بإجهاد ما بعد الصدمة وغير المصابين به (بلغ متوسط عمرهم 69 عاماً). استعملوا اختباراً اسمه «التمدد بواسطة التدفق» لتقييم قدرة شريان في الذراع على الاسترخاء والتوسّع. وفق النتائج، سجّل المحاربون القدامى الذين كانوا مصابين بإجهاد ما بعد الصدمة معدلات أدنى من غير المصابين بالاضطراب، ما يشير إلى ردة فعل غير صحية بالكامل من جانب الوعاء الدموي.

خيارات علاجية

يتعافى معظم المصابين بإجهاد ما بعد الصدمة عند معالجتهم في مرحلة مبكرة. يتعلق الخيار الأكثر شيوعاً بعلاج التعرّض المطوّل. في هذه الحالة، يتعرّض الشخص للصدمة نفسها تدريجاً وسط بيئة آمنة عبر الأفكار والمشاعر والظروف، ما يخفّف قدرة الذاكرة على التسبب بالتعاسة.

تتعدد العلاجات الأخرى، منها مضادات اكتئاب اسمها «مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية» والعلاج السلوكي المعرفي حيث يتعلّم الناس تحسين طريقة تعاملهم مع الأفكار السلبية.

يمكن الاستفادة أيضاً من تغيير أسلوب الحياة ومن التقنيات العقلية والجسدية. نُشرت دراسة في مجلة «الطب العسكري» في يناير 2016 واكتشفت أن 84% من المحاربين القدامى الذين أصيبوا بإجهاد ما بعد الصدمة ومارسوا تقنية التأمل مرتين في اليوم طوال 20 دقيقة تمكّنوا من تثبيت وتيرة استعمال مضادات الاكتئاب أو تخفيفها أو وقفها بالكامل بعد شهر واحد. أثبتت اليوغا أيضاً أنها تستطيع تخفيف الضغط النفسي والقلق والاكتئاب وقد تكون ممارستها مفيدة للمصابين بإجهاد ما بعد الصدمة إذا كانوا يعانون تلك المشاكل. لا تزال الأبحاث مستمرة لكن اكتشف تحليل شامل نُشر على موقع «الصدمات والعنف والاستغلال» أن اليوغا تخفف حدّة إجهاد ما بعد الصدمة على المدى القصير على الأقل.

ثمة علاج محتمل آخر اسمه «إزالة الحساسية بضبط حركة العين وإعادة المعالجة». خلال هذا العلاج، سيطلب منك المعالج أن تتذكر حدثاً صادماً تزامناً مع تحريك العينين بسرعة ذهاباً وإياباً، وكأنك تشاهد لعبة بينغ بونغ فائقة السرعة.

لم تتضح بعد طريقة عمل العلاج لكن يظن الخبراء أن حركة العين السريعة خلال عملية التذكّر تُغيّر طريقة تصنيف الذكريات الصادمة في الدماغ، لذا تخفّ حدّة الصدمة عند تذكّرها مجدداً.

أعراض أساسية

يمكن تشخيص إجهاد ما بعد الصدمة بعد مواجهة الأعراض بشهر على الأقل. تشمل الأعراض الأساسية:

• إعادة اختبار الصدمة عبر تذكّر مجموعة من الأحداث على شكل صور من الماضي أو ذكريات عصيبة أو كوابيس.

• تجنب الأماكن والأشخاص والنشاطات التي تذكّرنا بالصدمة.

• صعوبة في النوم والتركيز.

• الشعور بالانزعاج والغضب لأبسط سبب.

قد تختبر أيضاً أحد الأعراض التالية أو مجموعة منها:

• العجز عن تذكّر جانب مهم من الحدث الصادم.

• تكوين قناعات أو توقعات سلبية جداً عن الذات والآخرين والعالم («أنا سيء»، «لا يمكن الوثوق بأحد»، «العالم خطير جداً»).

• شعور دائم بالخوف أو الذنب أو العار.

• تبني سلوك متهور أو تدميري مثل معاقرة الكحول أو تعاطي المخدرات أو استئناف التدخين بعد الإقلاع عن هذه العادة.

• يقظة أو حماسة مفرطة أو ردود أفعال قوية على الحوافز والتهديدات المنظورة.