أوضح أخيراً عالم الأعصاب كريستوف كوخ، رئيس معهد «آلن» لعلوم الدماغ، في مجلة Scientific American أن الدماغ غير المحفّز قد يدخل في حالة من النوم الجزئي، متراجعاً إلى وضع النوم من حالة النشاط السريع ليعاود الاستيقاظ بعد ذلك.كتب كوخ: «تشعر بالنعاس، ويثقل جفناك، وتُغمض عينيك، ويتأرجح رأسك إلى الأعلى والأسفل، ثم تستيقظ: لا تعي ما حدث في تلك اللحظات. ربما تظهر تلك الفواصل خلال أي مهمة تتبع وتيرة واحدة مملّة، مثل القيادة مسافات طويلة عبر البلد، أو الاستماع إلى محاضر يطيل الشرح، أو المشاركة في اجتماع آخر لا نهاية له في القسم الذي تعمل فيه».
دراسة
على سبيل المثال، أمضى المشاركون في إحدى الدراسات ساعة تقريباً في القيام بنشاطات لا تتطلّب التفكير، مستخدمين جهاز تحكّم وشاشة. يؤكد كوخ أن «المشاركين مرّوا خلال تلك الفترة بنحو 79 حالة من النوم الجزئي في الساعة، تراوحت فترة كل منها بين 1.1 ثانية و6.3 ثوانٍ».بكلمات أخرى، النوم أكثر خداعاً مما نظن. نفكّر عادةً فيه كما لو أنه أمر مقسّم إلى وحدات يمكننا تنظيمها خلال اليوم: نخلد إلى النوم في أوقات محددة ونستيقظ في أوقات محددة ونأخذ أيضاً قيلولة. حتى خلال تلك الغفوة العفوية التي لا تخطط لها، تدرك حين تتأمّل ما حدث بعد الاستيقاظ أنك كنت نائماً. لكننا نعجز غالباً عن تحديد ماهية النوم الجزئي.مسألة معقدة
تزداد مسألة النوم الجزئي تعقيداً ولا تقتصر على تلك الغفوات البسيطة التي تدوم ثواني. كتب كوخ إن هذا الهجوع يشكّل حالة مزدوجة. قد تكون مستيقظاً أو نائماً أو في مكان ما بينهما.على سبيل المثال، خلال أول ليلة تمضيها في مكان جديد، يبقى جزء من نصف الدماغ الأيسر نشطاً خلال النوم العميق. وربما تشكّل هذه حالة وقائية تبقينا متيقظين لأي أخطار جديدة.لكن العكس صحيح أيضاً: كما يمكنك أن تكون مستيقظاً جزئياً خلال النوم، كشفت بحوث أُجريت على الحيوانات أن من الممكن أيضاً أن تكون نائماً جزئياً أثناء إنجازك أعمالك اليومية. على سبيل المثال، في دراسة نُشرت في مجلة Nature عام 2011، أبقى معدو الدراسة جرذان المختبر مستيقظة لوقت أطول من المعتاد، وخططوا نشاط أدمغتها خلال ساعات اليقظة الإضافية ومرحلة النوم التي تلتها. أثناء النوم العميق، أوضح كوخ أن الدماغ مرّ «بمراحل خفية توقفت خلالها خلاياه عن توليد أي نشاط كهربائي لثلاثمئة أو أربعمئة جزء من الثانية» على التوالي. أما خلال تلك الساعات التي حُرمت فيها الجرذان من النوم، فاتبع دماغها نمطاً غريباً مع دخول بعض الخلايا فترة التوقف عن النشاط تلك وبقاء بعضها الآخر نشطاً. بكلمات أخرى، كان بعض الخلايا العصبية نائماً وبعضها الآخر مستيقظاً، في حين ظلّ الحيوان نفسه مستيقظاً.صحيح أن دراسة النوم الموضعي هذه لم تُجرَ على البشر، إلا أنها تعزّز الفكرة التي طرحتها بحوث حول النوم الجزئي: تختلف الطريقة التي نعتقد أننا نختبر بها النوم عن الواقع. فيبدو أن الحدود الفاصلة بين النوم واليقظة مشوشة وتتبدل باستمرار، حتى إنها تختفي بالكامل في بعض الحالات.