نظم قسم العلوم السياسية في كلية العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت مؤتمر «الدولة المدنية والطائفية والسياسية في أعقاب الربيع العربي»، برعاية وحضور عميد الكلية د. حمود القشعان، وبالتعاون مع مؤسسة كونراد آديناور الألمانية، في مقر الكلية بالشويخ، بمشاركة نخبة من أساتذة الجامعة وأكاديميين عرب وأجانب.من جانبه، قال رئيس قسم العلوم السياسية في الكلية د. حسن جوهر إن أجواء الديمقراطية في الكويت بأولى صورها، من خلال صندوق الانتخابات واختيار ممثلين للأمة.
ووصف ممثل مؤسسة كونراد آديناور الألمانية مدير البرنامج الإقليمي لتعزيز حكم القانون في الشرق الأوسط وشمال افريقيا بيتر ريميله، الثورات التي حدثت في تونس ومصر، بـ«خيبة الأمل».
تحديات عديدة
واعرب ريميله عن أسفه الشديد تجاه ما يحصل في العراق وسورية، وان تحديات عهد ما بعد الدكتاتورية عديدة، وتخبط الأنظمة العربية الناشئة أليما، فالتفاؤل بـ«الربيع العربي» سرعان ما انقلب الى تشاؤم إزاء «الخريف الاسلامي»، على حد وصفه، معربا عن تخوفه من الخطر الداعشي، لاسيما بالعراق وسورية، الأمر الذي ينبغي معه اتخاذ موقف واقعي يوفق بين المنظورين المتناقضين.وعقب الكلمات الافتتاحية، بدأت أعمال المؤتمر بجلسة أدارها د. حامد عبدالله، وتحدث فيها د. الزواوي بغوره من قسم الفلسفة بجامعة الكويت، ود. علي الزميع وزير العدل والأوقاف السابق.وقال د. بغوره إن الاتجاه العام قبل الربيع العربي يرفض استعمال الدولة المدنية، بينما بعد الربيع أصبحت غالبية التيارات السياسية تميل إلى استعماله بمضمون يتكون من ثلاثة عناصر: رفض الدولة العسكرية والدينية، القول بالديمقراطية وقيمها وعلى رأسها حقوق الإنسان، تأكيد الدولة الوطنية ومحاولة الإصلاح.مفهوم مجهول
من جانبه، أكد د. الزميع أن «مفهوم (فصل الدين عن الدولة) مجهول، وليس لدي توصيف واضح ومحدد للعلمانية»، لافتا إلى ان العلمانية ليست واحدة، ومن يقول إن علمانية أوروبا بعد سقوط سلطة الكنيسة هي نفسها العلمانية الفرنسية، مثلا فهذا أمر مناف للحقيقة والواقع.وأضاف أن من يتبنى العلمانية ربما يكون بدافع حماية الدين من أهل السياسة! لكنه شدد في ملخص هذا المحور على أن العلمانية ليست واحدة ولا يصح التعميم في هذا المفهوم، مشددا على أن أحد اشتراطات العلمانية هو الإيمان بالديمقراطية والتعددية وقبول الآخر، ومن دون ديمقراطية حقيقية لن تكون هناك دولة مدنية ولا مجتمع مدني.وذكر أن الليبراليين أقصوا الاسلاميين خوفا على الدولة والديمقراطية، على حد زعمهم، وهذا أمر أبعد ما يكون عن الديمقراطية، غير أن الثورات العربية شهدت تأسيس ديمقراطيات ناشئة، وتمسكا واضحا من الجماعات السياسية بقيم المدنية والدولة الحديثة، لكن وعلى مدى عقود لم تناقش الثقافة العربية والاسلامية مثل هذه القضايا إلا ملامح من بعيدة.إرهاصات النهضة
وبين الزميع أنه في عصر النهضة منذ محمد عبده وغيره بدأت إرهاصات النهضة والتنوير والحرية وايضا مدنية وديمقراطية الدولة، وأبعد من ذلك الإسلام أرسى دعائم الديمقراطية والتعددية، «عندما نعرف أن مصادر التشريع هي الكتاب والسنة والاجماع، وتلك الأخيرة هي تمثيل رأي الأغلبية، وأن الأمة مصدر السلطات، إذا كان الاجماع يميل الى اتجاه معين».وأشار إلى المدارس الفكرية العربية في النظر الى الاسلام، «فهناك من يرى أن الاسلام دين أخلاق، وربما هذا مرفوق اجتماعيا من قبل الغالبية، وهناك من يرى أن الاسلام دين ودولة، وهذا يدخلنا في قضية الاثبات والصراع الديني السياسي، في وقت الادارة ليست شفافة وليست كفوءة، وتاريخنا الإسلامي ليس مشرفا في مجال المواطنة».وفي الجلسة الثانية من أعمال المؤتمر، التي أدارها د. يعقوب الكندري، تحدث مستشار رئيس الجمهورية اللبنانية السابق د. وليد مبارك، ود. غسان العزي من الكويت، وتناولت هذه الجلسة «فشل مشروع بناء الدولة المدنية وصعود الطائفية السياسية».إعادة الثقة
بدوره، اكد د. مبارك أن الحوار الوطني هو الوسيلة الفضلى لإعادة الثقة داخل النخبة السياسية وأثناء الازمات الكبرى أو عند وجود قضايا جوهرية خلافية تعجز المؤسسات الدستورية عن إيجاد حلول ومخارج لها.وضرب مثالا للحوار الوطني في لبنان، وهو كان احد أعضاء اللجنة التحضيرية للحوار الوطني في 2010، مستعرضا التجربة اللبنانية في مواجهة الطائفية السياسية والسعي الدؤوب الى ترسيخ قيم الدولة المدنية الحديثة.من جانبه، استعرض د. العزي «التطور السياسي الغربي حتى الوصول للدولة المدنية الحديثة التي نراها اليوم»، مؤكدا أن ما حدث في كل الدول تقريبا هو انه ما إن تمر الدولة بحرب دينية حتى تتجه إلى إنهائها بأي طريقة، بحيث لا تعود لها مطلقا.